مع اقتراب نهاية شهر أغسطس، تتعرض فرنسا لتحدٍ هائل يتمثل في موجة حر شديدة من المتوقع أن تجتاح جزءًا كبيرًا من البلاد. بعد ما تم تصنيف ثمانية وعشرين مقاطعة في فرنسا بوضعية "اليقظة البرتقالية لموجة الحر" من قِبل الخدمة الفرنسية الوطنية للأرصاد الجوية "ميتيو فرانس"، وذلك اعتبارًا من اليوم السبت. تقع هذه المقاطعات بشكل رئيسي في جنوب غرب البلاد وتمتد شرقًا.
40 درجة مئوية
وبحسب تقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، يحذر المعهد الجوي من درجات حرارة مستمرة وشديدة، ومن المتوقع أن تتجاوز 40 درجة مئوية خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة في الجنوب الشرقي ووادي الرون، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة تدريجيًا نحو الشمال. على الرغم من أن الليالي ستبقى حارة في العديد من المناطق مثل ليون والمناطق الساحلية الجنوبية، إلا أنه من المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة بدءًا من يومي الثلاثاء أو الأربعاء المقبلين، على الرغم من وجود بعض عدم اليقين بشأن الأحوال الجوية خلال منتصف الأسبوع، حسبما صرحت كريستيل روبرت، الناشطة في "ميتيو فرانس".
وبحسب المعهد الجوي الفرنسي، فإن هذه الموجة الحارة تعتبر الأكثر حرارة في صيف عام 2023، وربما تكون واحدة من آخر موجات الحر التي ستشهدها فرنسا بمثل هذا المستوى العالي من الشدة في نهاية فصل الصيف.
محاولات حكومية
استجابةً لهذه التحديات، عقد مكتب رئيس الوزراء وحدة أزمة بين الوزراء للمرة الأولى في وقت متأخر من يوم الخميس الماضي. وتم إنشاء منصة معلومات وطنية في صباح أمس الجمعة، بينما وجّه زعماء البلاد رسائل تحذيرية للفرنسيين. ونشر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي داعيًا إلى الحذر المشترك، في حين حثت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الفرنسيين على الاهتمام بالأشخاص الضعفاء.
تعمل عدة قطاعات حاليًا على تحضير للتداعيات المتوقعة لهذه الموجة الحارة، إذ تفكر شركة الكهرباء الفرنسية، في تقليل الإنتاج في محطاتها النووية في شرق وجنوب فرنسا لتجنب ارتفاع درجة حرارة مياه نهر الرون الذي يبرّد المفاعلات، كذلك تأجيل مباريات كرة القدم في الدوري الفرنسي ، بين أولمبيك ليون ومونبلييه هيرولت وبين أيه إس موناكو وستراسبورج، المقررة يومي السبت والأحد (لتأجيلها إلى الساعة 5:00 مساءً، بدلًا من الساعة 7:00 مساءً).
كذلك واكبت العديد من القطاعات على مواجهة الحالة الطوارئ الناجمة عن الموجة الحارة. تم استدعاء فرق الإنقاذ والإسعاف والشرطة لتعزيز التدابير الأمنية وتقديم المساعدة اللازمة للمواطنين المتأثرين بارتفاع درجات الحرارة. تم فتح مراكز تبريد إضافية في المناطق المتأثرة لتوفير مأوى وتخفيف الحرارة.
القبة الحرارية
تهدف هذه الإجراءات إلى مواجهة ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن "القبة الحرارية"، التي تستقر تدريجيًا فوق فرنسا وسويسرا وأجزاء من إسبانيا وألمانيا، وهي مرتبطة بارتفاع ضغط الهواء في الطبقات العليا، ما يركز الهواء الدافئ الذي يتم حبسه بالقرب من الأرض، ويسخن يومًا بعد يوم بسبب الضغط.
يشير التقرير الصادر عن هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية إلى أنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، شهدت فرنسا حدوث 29 موجة حر بين عامي 2000 و2021، منها 17 موجة حر بين عامي 1947 و2000، وهو مؤشر على تكرار وارتفاع شدة الأحداث المناخية القصوى كما أكدت ذلك التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وترجع هذه الزيادة في حدوث موجات الحر المتكررة والأشد حرارة إلى الاحتباس الحراري الناتج عن الأنشطة البشرية.
في تقرير المجموعة، الذي نُشر في أغسطس 2021، ذكر الخبراء أن الموجات الحارة الشديدة ستكون عرضة للحدوث 5.6 مرة أكثر في مناخ أكثر دفئًا بدرجتين مثل الظروف الحالية.
وفيما أشارت لوريان باتي، عالمة المناخ في ميتيو فرانس "وفقًا لسيناريوهات المناخ، خلال موسم الصيف بأكمله، من المرجح أن يتضاعف عدد أيام الموجات الحارة، أو حتى يتضاعف بمعامل من خمسة إلى 10 مرات بحلول نهاية القرن، مقارنة بالمناخ في نهاية القرن العشرين".
"نظرًا لتأثير الاحتباس الحراري على جميع أوقات السنة، فإن موسم الموجات الحارة المحتملة يصبح أطول، حيث يبدأ في وقت سابق وينتهي في وقت لاحق"، هكذا لخص الأمر أوريليان ريبس، عالم المناخ في المركز الوطني للبحوث الجوية .
حدثت الموجة الأولى في عام 2022 في منتصف يونيو، مع تجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية لأول مرة في هذا الوقت من العام.
تعتبر الموجات الحارة من التحديات البيئية التي تواجهها العديد من البلدان في العالم، وتصاعد درجات الحرارة قد يكون له آثار سلبية على الصحة العامة والبنية التحتية والزراعة. ولذلك، فإن الوعي بتغيرات المناخ واتخاذ إجراءات للتكيف معها يعد أمرًا مهمًا للدول والمجتمعات.