تؤجج موجة حارة تأثرت بها عدة دول حول العالم، بدأت منتصف هذا الشهر، وتيرة متسارعة لحرائق الغابات، تأبى أمام إمكانات جبارة دفعت بها الدول المصابة أن تخمد، لكن من شأن انخفاض ملموس في الحرارة أن يمرر الكثير من الآمال، ويمنح الجهود البشرية المدعومة بإمكانات كبيرة بعض السيطرة في حرب صعبة مع قوى الطبيعة.
ومن بين نحو 9 بلدان واقعة في حوض البحر المتوسط، تشتعل غاباتها، اليوم، منحت الجزائر بعضًا من هذه الآمال بسيطرة شبه كاملة على الحرائق، فيما على الجانب الآخر تكافح اليونان وتتكبد أولى خسائرها البشرية جراء كارثة مناخية تشهدها منذ أكثر من أسبوع.
الجزائر
تمكنت سلطات الحماية المدنية في الجزائر ومعاونوها من مختلف الجهات الأمنية من التحكم، في حرائق الغابات التي اشتعلت في عدة ولايات بالبلاد، منذ ليلة الاثنين الماضي، ما سمح، اليوم الأربعاء، بمباشرة عمليات معاينة الأضرار وإحصاء المتضررين، والمضي بإجراءات التعويض.
وقال مسؤولون إن حرائق الغابات التي أودت بحياة 34 شخصًا على الأقل في شمال الجزائر، وخلفت مئات الإصابات، خلال الأيام الماضية أصبحت الآن تحت السيطرة بشكل كامل.
إخماد 80 بالمئة
وذكرت وزارة الداخلية الجزائرية، أنه تم إخماد 80٪ من حرائق الغابات، نتيجة التعبئة المستمرة لرجال الإطفاء خلال الليل، إضافة إلى طائرات الإطفاء التي حققت نتائج كبيرة، ساعدها التحسن النوعي للظروف المناخية وانخفاض سرعة الرياح ودرجة الحرارة.
ولا تزال عمليات مكافحة الحرائق مستمرة، مع بقاء 13 نقطة ساخنة في سبع ولايات، فيما تبقى المناطق التي تم إخمادها قيد المراقبة، وفق الداخلية الجزائرية.
وعلى صعيد الغوث الإنساني، أرسل الهلال الأحمر الجزائري 4 قوافل مساعدات وصلت إلى ولايات البويرة، جيجل، سكيكدة وبجاية، تشمل أفرشة ومواد غذائية وأدوية، وفق وكالة الأنباء الحكومية (واج).
الليلة الأسوأ.. 90حريقا في 16 ولاية
وخلال ليلة واحدة، كانت الأسوأ، سجلت الجزائر، الاثنين الماضي، 97 حريقا في الغابات والأدغال وبين المحاصيل الزراعية، في 16 ولاية، خلف 15 ضحية ونحو 26 مصابًا، فيما تم إجلاء 1500 شخص لدوائر قريبة حسبما أفاد بيان للداخلية.
وسجلت ولايات بجاية، البويرة، جيجل الحرائق الأوسع رقعة بفعل الرياح الشديدة التي شهدتها هذه المناطق، حيث امتد بعضها إلى القرى المأهولة بالسكان، فيما أُجلي السكان إلى بلدية فناية بدائرة القصر، وبلدية زبربر بدائرة الأخضرية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية (واج).
موجة حارة بدرجة "برتقالية"
وتترقب الجزائر موجة طقس حارة، قد تسجل درجات الحرارة خلالها 50 درجة، تشهدها عدة ولايات جنوبي البلاد، بداية من اليوم الأربعاء وحتى الجمعة، بحسب توقعات هيئة الأرصاد الجوية الوطنية في نشرة خاصة.
وصنّفت هيئة الأرصاد الطقس المتوقع اليوم في درجة يقظة ''برتقالي''، حيث من المتوقع أن تشهد أربع ولايات هي " تيميمون، أدرار، برج باجي مختار وعين صالح" درجات حرارة تتراوح ما بين 48 و 49 درجة قد تصل إلى 50 درجة محليًا بالنسبة للدرجات القصوى، وما بين 34 و39 درجة بالنسبة للدرجات الدنيا، خلال الفترة سابقة الإشارة.
اليونان
أما اليونان فتكبدت اليوم أولى خسائرها البشرية جراء موجة حرائق مستعرة، في جزر رودس وإيفيا وكورفو والعديد من المواقع في البر الرئيسي لليونان، دخلت أسبوعها الثاني.
حرب ضد قوى الطبيعة
ولقي طياران اثنان من رجال القوات الجوية اليونانية حتفهما، اليوم، في جزيرة إيفيا عندما تحطمت طائرة إطفاء من طراز CL-215 الكندية كانا يستقلانها حين تحطمت بالقرب من بلدة كاريستوس ظهر اليوم، حسبما أعلن متحدث باسم القوات الجوية.
وأظهر مقطع فيديو بثه تلفزيون ERTاليوناني، طائرة الإطفاء الصفراء وهي تطلق حمولتها من الماء قبل أن يتعطل رأس جناحيها على ما يبدو في غصن شجرة. ثم هوت واختفت في رقعة عميقة في الأرض واندلعت منها كرة نارية وسمع صوت انفجار.
وعلّق ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان عن وفاة الطيارين، بينما يكافحان نيران تلتهم الغابات: "لقد عرضوا حياتهم لإنقاذ الأرواح. لقد أثبتوا مدى خطورة مهامهم اليومية في إطفاء الحرائق ... الحرب ضد قوى الطبيعة المدمرة ".
وألغى ميتسوتاكيس زيارة إلى قبرص كان من المقرر أن تبدأ الأربعاء، بعد محادثاته مع الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، الذي أرسل تعازيه في وفاة الطيارين.
على صعيد آخر، ذكرت وسائل إعلام يونانية أنه تم العثور على جثة متفحمة لراعي غادر قرية إيفيا، الأحد الماضي، خوفا على قطيعه، ولقي حتفه حرقًا داخل كوخ.
53 حريقا جديدا.. ورودس الأخطر
وقالت خدمة الإطفاء في اليونان إن الحرائق في رودس وكورفو لاتزال الأكثر خطورة من بين كل الحرائق، مبينة أن الوتيرة المستعرة للحرائق وتقدمها المستمر أجبر رجال الحماية المدنية على إخلاء أربع قرى.
وقالت خدمة الإطفاء إنه حتى السادسة من مساء اليوم، اندلع 53 حريقًا جديدًا في جميع أنحاء البلاد، إلا أنه تم إخماد معظمها على الفور.
وعلى أثر أخطر موجة حرائق اندلعت في جزيرة رودس نظمت السلطات أكبر عملية إجلاء في تاريخ اليونان. وقالت السلطات اليونانية إنه تم إجلاء حوالي 19 ألف شخص بينهم 16 ألف شخص عن طريق البر و3 آلاف عن طريق البحر من 12 قرية وعدة فنادق من عدة مواقع في الجزيرة السياحية.
ووفق السلطات المحلية تلقى ستة أشخاص العلاج لفترة وجيزة في المستشفى إثر مشاكل في الجهاز التنفسي، فيما كسرت ساق شخص بعد أن سقط أثناء إخلاء أحد الفنادق، وظلت امرأة حامل في المستشفى، وهي بحالة جيدة.
وحاول العشرات من رجال الإطفاء ترويض ثلاث جبهات منفصلة من الحرائق بعد أكثر من أسبوع من اندلاع حرائق الغابات، حسبما ذكرت فرقة الإطفاء اليوم.
مساع لإنقاذ السمعة
وبينما تسعى الحكومة اليونانية لاحتواء الضرر الذي لحق بسمعة أحد مصادر الدخل الرئيسية للبلاد، حيث تعتمد اليونان اعتمادًا كبيرًا على السياحة، غادر حوالي 3000 من المصطافين، رودس المشتعلة، للعودة إلى ديارهم، أمس الثلاثاء، بالطائرات بعد أن توقف حركة الطيران وألغيت العديد من الرحلات، فيما ألغيت مئات الرحلات القادمة المقررة حتى الجمعة المقبلة، في ظل وضع ضبابي بشأن السيطرة التامة على الحرائق.
وقالت وزيرة السياحة أولغا كيفالوجياني، اليوم الأربعاء، إن حرائق الغابات أثرت على جزء صغير فقط من جزيرة رودس وهي إحدى أكبر جزر اليونان وواحدة من بين أفضل وجهاتها الصيفية، حيث تجتذب حوالي 1.5 مليون سائح أجنبي في أشهر الصيف.
ذروة الخطر الشديد
ووصلت موجة الحر المرتفعة في اليونان إلى ذروتها، اليوم الأربعاء، وتجاوزت 45 درجة مئوية في بعض المناطق.
ووضعت السلطات في اليونان كل أو أجزاء من ست مناطق من أصل 13 منطقة في اليونان تحت تحذير "خطر شديد" من اندلاع حرائق الغابات، وهي مناطق أتيكا ووسط اليونان وأجزاء من بيلوبونيز وغرب اليونان وثيساليا ومقدونيا الوسطى. وقالت السلطات إن أجزاء أخرى من المناطق الأربع الأخيرة، بالإضافة إلى جزيرة كريت والجزر الأيونية، تواجه مخاطر عالية للغاية أيضًا، بحسب وكالة أنباء أثينا الحكومية.