الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

اجتماعات آسيان.. ما حدود التنافس الدولي على جنوب شرق آسيا؟

  • مشاركة :
post-title
وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا خلال اجتماعات آسيان

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

اختتم وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" في العاصمة الإندونيسية جاكرتا اجتماعاتهم في 14 يوليو 2023، التي استمرت على مدار ثلاثة أيام، وبمشاركة وزراء خارجية الدول الكبرى ومسؤولي السياسة الخارجية، ومنهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره الروسي سيرجى لافروف، وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي.

وقد انعقدت الاجتماعات في ظل بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، تموج بالعديد من الأزمات التي تشكل تهديدًا لمصالح دول الرابطة، وأبرزها: عسكرة بحر الصين الجنوبي، وأزمة ميانمار، وتنامي الصراع في منطقة الإندوباسيفيك، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتوتر في العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تشكلت "آسيان" كمنظمة إقليمية سياسية واقتصادية عام 1967 في بانكوك، بهدف تعاون الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والتعليمية، وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين في المنطقة من خلال تسريع النمو الاقتصادي لدول الرابطة، وإقامة منطقة تجارة حرة، وتجنب النزاعات المسلحة. وتضم الآسيان عشر دول هي: إندونيسيا وماليزيا والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، ولاوس، وكمبوديا، وبروناي، وميانمار، وفيتنام.

تنافس دولي:

عكست فعاليات الاجتماعات سعيًا من دول الرابطة لتحقيق أهدافها في التنمية والاستقرار، في حين سعت القوى الكبرى ممثلة في واشنطن وموسكو وبكين التي شاركت عبر وزراء خارجيتها ومسؤولي سياساتها الخارجية في مناقشاتها، لجعلها ساحة لتحقيق مصالحهم سواء من خلال التنافس أو التعاون بينهم، وهو ما انعكس على طبيعة القضايا واللقاءات على هامش القمة التي يمكن إبراز أهمها في التالي:

(*) تخفيض التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية: تسعى رابطة دول آسيان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات: الاستثمار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، وتطوير الطاقة المتجددة ومجالات النقل والقطاع الرقمي والبنية التحتية.

وسعيًا من دول الرابطة لتهيئة السياق المواتي لتعزيز التعاون الاقتصادي فى المنطقة فإنها تبنت الرغبة في تهدئة المنازعات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين عالميين هما الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني، الأمر الذي انعكس على لقاء كل من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي على هامش اجتماعات الرابطة، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فى بيان لها فى 14 يوليو 2023، أن اللقاء بين بلينكن و"يي" تناول مناقشات صريحة وبناءة حول مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية بما في ذلك المجالات الخلافية ومجالات التعاون المحتملة، وشدد بلينكن على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. ووفقًا لبيان الخارجية الأمريكية فإن تلك الاتصالات البناءة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تأتي في إطار جهود إدارة بايدن المستمرة للحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع بكين، وإدارة المنافسة بمسؤولية.

(*) الحرب الروسية الأوكرانية: تحظى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بنقاش واسع على هامش اجتماعات كافة المنظمات الإقليمية والدولية، وقد شكّل اجتماع الآسيان على مستوى وزراء الخارجية فرصة للضغط على روسيا للحد من التلويح باستخدام الأسلحة النووية في الحرب مع أوكرانيا، لذلك دعا الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو ممثلي دول "آسيان" إلى العمل على حل المشكلات العالقة في المنطقة قبل تفاقهما، أملًا أن تبقى الرابطة مكانًا للتعاون والتفاهم بدلًا من أن تتحول إلى ساحة منافسة.

وبرغم ذلك جدد وزير الخارجية الروسي تأكيده على أن المواجهة في أوكرانيا مستمرة حتى يتخلى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن خططه للسيطرة على موسكو وهزيمتها، في حين دعا بلينكن إلى سلام عادل ودائم ينهي الحرب الروسية الأوكرانية، وعبّر عن قلقه إزاء تنامي هيمنة الصين في بحري جنوب وشرق الصين، وفي مضيق تايوان، واعتبر أن مشاركة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف غير بناءة وغير منتجة لأنه قدم عرضًا وأجندة سلبيين بالكامل، كما أنه نسب عمليًا كل مشكلات العالم للولايات المتحدة الأمريكية.

(*) تنسيق روسي صيني: شكل اجتماع رابطة آسيان فرصة لتعزيز التعاون الروسي الصيني الذي وصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، إذ عقد كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي ووزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف اجتماعًا على هامش فعاليات القمة، وأشار وانج إلى أن الصين وروسيا بحاجة إلى تعزيز التواصل والتنسيق الاستراتيجي بينهما، وأن الصين مستعدة للعمل مع روسيا من أجل دعم مركزية رابطة دول آسيان واليقظة لمواجهة تدخل القوى الخارجية فى إشارة ضمنية للولايات المتحدة الأمريكية، وأن الصين وروسيا يدعمان إندونيسيا ودول الرابطة لاتخاذ المسار الصحيح للتعاون في شرق آسيا.

(*) رفض دور حلف الناتو في آسيا: عكست تصريحات سيرجى لافروف خلال اجتماعات دول الرابطة رفضًا لدور حلف شمال الأطلسي "الناتو" في آسيا، حيث اتهم الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف منظمة آسيان والسعي لاستبدالها باستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، وإقحام حلف الناتو في المنطقة، كما حذرت الصين من توغل حلف الناتو في قارة آسيا التي تعتبرها مرتكزًا للسلام والاستقرار وأرضًا واعدة للتعاون والتنمية، وليست ساحة مصارعة للمنافسة الجيوسياسية، بحسب وصف ماونينج، المتحدثة باسم الخارجية الصينية.

رئيس إندونيسيا وكبير الدبلوماسيين الصينيين
دوافع التنافس:

تتنوع دوافع التنافس الدولي على رابطة آسيان ويمكن الإشارة لدافعين رئيسيين؛ الأول يرتبط بتعدد الفرص الاقتصادية وتنوعها، لا سيما أن رابطة آسيان تصنف بأنها من بين المناطق الأسرع نموًا اقتصاديًا على المستوى العالمي، كما أنها ذات كثافة سكانية مرتفعة، إذ يبلغ عدد سكان دول آسيان العشرة مجتمعة 600 مليون شخص، تمتد على مساحة 4,5 مليون كيلو متر مربع، ويقدر إجمالي الناتج المحلي لدول الرابطة 3,1 تريليون دولار أمريكي عام 2020 بما يمثل 9,13% من الناتج المحلي الإجمالي لقارة آسيا.

وتتوقع التقديرات الاقتصادية زيادة تقدر بـ 4,64% بحلول عام 2025 بما يعني الأهمية المحورية لدول الرابطة على مستوى الاقتصاد العالمي، ما جعلها تستحوذ على نسبة 7% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا و34% في قارة آسيا.

ويعتبر الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية، وشبكات الاتصال المتقدمة من الجيل الخامس، والحوسبة السحابية من القطاعات الأكثر جذبًا للمستثمرين لما تمتلكه من فرص نمو عالية.

وتتوقع التقديرات أيضًا بأن تصبح دول آسيان، خلال الخمس سنوات المقبلة، أحد أبرز المراكز العالمية سريعة النمو لتخزين وإدارة البيانات متجاوزة بذلك أمريكا الشمالية ودول المحيط الهادئ.

أما الدافع الثاني وربما الأهم فإنه يرتبط بوقوع دول رابطة آسيان في منطقة جيوستراتيجية وحيوية تتقاطع مع مصالح الدول الكبرى في بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان. حيث تسعى القوى الكبرى لفرض هيمنتها على تلك المحاور الاستراتيجية، وهو ما تجلى في إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن استراتيجيتها للتوجه شرقًا إزاء آسيا، لمحاصرة التمدد الصيني، والاتجاه نحو تعزيز تعاونها الأمني من خلال اتفاق "أوكوس" بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا في سبتمبر 2021، لإمداد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية بهدف ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي.

مجمل القول إن اجتماعات دول رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" في إندونيسيا، التي جاءت بمشاركة ممثلي دول المجموعة العشرة، فضلاً عن وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكبير الدبلوماسيين الصينيين، وممثلي الدول الإقليمية يعكس الأهمية الاستراتيجية لدول الرابطة وثقلها الاقتصادي، وتصاعد التنافس الدولي ما بين القوى الكبرى حول صياغة نظام دولي جديد، يتزامن مع انتقال مركز الثقل العالمي نحو آسيا التي ستجعل من القرن الواحد والعشرين قرنًا آسيويًا بامتلاكها مقومات ومفاتيح التقدم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.