الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما انعكاسات إعادة تفعيل الإطار الاستراتيجي بين "واشنطن" و"بغداد"؟

  • مشاركة :
post-title
جلسة مباحثات للوفد العراقي أثناء زيارته إلى واشنطن فبراير 2023

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

على خلفية زيارة الوفد العراقي برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، وعدد من المسئولين العراقيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت السفارة العراقية بواشنطن في 15 فبراير 2023 بيانًا لاجتماع أول لجنة تنسيق عليا تركز على الاقتصاد، كأحد ركائز اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، وقد ترأس وفد العراق فؤاد حسين، وضم الوفد ممثلين رفيعي المستوى من مجلس النواب والبنك المركزي ووزارة الخارجية، ووزارة النفط، ووزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة الكهرباء، ومكتب رئيس الوزراء ومبعوث العراق للمناخ، وحكومة إقليم كردستان. فيما ترأس الوفد الأمريكي أنتوني بلينكن وزير الخارجية، وضم الوفد الأمريكي رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية السيدة سامانثاباور، والمبعوث الرئاسي الخاص لتغير المناخ جون كيرى، ونائب وزير الخزانة والي أدييمو، والمنسق الرئاسي الخاص للطاقة العالمية والبنية التحتية أموس هوشستين، والمنسق لمكافحة الفساد العالمي ريتشارد نيفيو، ومنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكجورك، وكبار المسئولين من وزارة الخارجية والخزانة والطاقة والتجارة.

ووفقًا للبيان فقد جدد الوفدان عزمهما على تعميق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين عبر مجموعة كاملة من القضايا الثنائية من أجل المصالح الوطنية لكل من البلدين، ومصالحهما المشتركة في الاستقرار الإقليمي. ويعد هذا الاجتماع بمثابة أول اجتماع للجنة التنسيق العليا يركز على التعاون الاقتصادي، وتنمية قطاع الطاقة، وتغير المناخ، والذى يعتبر علامة على شراكة استراتيجية ناضجة في ظل اتفاقية الإطار الاستراتيجي.

أبعاد الزيارة:

تكتسب الزيارة أهميتها من عدة أبعاد، وذلك على النحو التالي:

الأول: أنها جاءت عقب زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى فرنسا، يومي 26 ،27 يناير 2023، والتى تم ترفيع العلاقات فيها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين فرنسا والعراق، فضلاً عن سعي العراق للنأي بنفسه عن سياسة المحاور التى توظف فى الصراع الدولي والإقليمي، لا سيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء العراقي في قصر الإليزيه بباريس (رويترز)

وثانيها: إعلان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أهمية استمرار التنسيق مع الجانب الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب، ووفقًا لبيان مكتبه فإنه بحث خلال وجوده في العاصمة الأمريكية واشنطن مع نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي، تريزا ستيفن جوينوف الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والإشادة بجهود القوات الأمريكية في مساعدة العراق في القضاء على عصابات تنظيم داعش الإرهابي، والتعاون العسكري والأمني مع القوات العراقية واستعراض جهود العراق في تحقيق الاستقرار والأمن للمنطقة.

وثالثها: تأكيد بايدن الالتزام الأمريكي خلال اتصاله فى 2 فبراير 2023 برئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق، التى تم توقيعها فى عام 2008 في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، والتي تحدد إطار التعاون بين البلدين بشأن قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية.فضلًا عن زيارة وفد الاتحاد الأوروبي إلى بغداد وتحذيره الجانب العراقي من أن تنظيم داعش الإرهابي بدأ يعتمد أسلوبًا جديدًا.

ورابعها: أن الزيارة تأتي عقب زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فى 5 فبراير 2023، إلى العراق، لبحث إمكانية التعاون بين الشركات العراقية والروسية العاملة فى مجال النفظ، حيث تقدر الاستثمارات الروسية في العراق في هذا المجال بنحو 14 مليار دولار طبقًا للبيانات التى أعلن عنها في أكتوبر 2022 السفير الروسي لدى بغداد. ومن ثم فإن العراق يتجه نحو البحث عن فرص استثمارية لمواجهة التحديات الاقتصادية وأزمة الدولار ، كما تسعى روسيا للحد من تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على اقتصادها عقب العملية العسكرية لروسيا فى أوكرانيا.

دوافع متعددة:

تنوعت دوافع زيارة الوفد العراقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن إبراز أهمها في التالي:

(*) تفعيل الإطار الاستراتيجي للشراكة: جاء توقيع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق على اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تعرف رسميًا بـ"اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق" في نوفمبر 2008، وصادق عليها مجلس النواب العراقي فى نهاية نفس العام، ودخلت حيز التنفيذ بداية عام 2009. وتقوم الشراكة على التعاون فى سبعة مجالات رئيسية هى: السياسة والدبلوماسية، الدفاع والأمن، الثقافة، الاقتصاد والطاقة، الصحة والبيئة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تطبيق القانون والقضاء. وبرغم أن تلك الاتفاقية واجهت العديد من التحديات، لا سيما وأن الغزو الأمريكي للعراق أسهم فى كسر قوة العراق وانهيار مؤسساته، إلا أن المعضلة الرئيسية تكمن في كيفية أن تسهم الولايات المتحدة في دعم العراق الذى سبق وأن أسهمت فى انهيار قدراته. ورغم ذلك ظل الإطار الاستراتيجي المدخل المؤسسي لعلاقة الشراكة بين الجانبين.

الأعلام العراقية والأمريكية

(*) مواجهة مشكلات القطاع المصرفي: يواجه القطاع المصرفي العراقي معضلة مزدوجة وجهها الأول يرتبط بتراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، حيث وصلت قيمة الدولار في فبراير 2023 لما يقرب من 1300 دينار وفقا لبيان مجلس الوزراء العراقي بعد اتخاذه قرار بذلك التعديل من 1470 دينار . والثاني الالتزام بقرارات البنك الفيدرالي الأمريكي بتقنين تحويلات البنوك العراقية للدولار إلى البنوك الإيرانية. فقد وضع البنك الفيدرالي الأمريكي ضوابط صارمة على المعاملات الدولارية الدولية التي تجريها بنوك تجارية عراقية، بهدف إيقاف التحويلات غير المشروعة للدولارات إلى إيران التي تخضع لعقوبات اقتصادية أمريكية، فبموجب تلك القيود يجب أن تستخدم المصارف العراقية منصة إلكترونية للإفصاح عن تلك المعاملات. لذلك رحبت الولايات المتحدة بجهود الحكومة العراقية في سن الإصلاحات في مجال السياسة النقدية، وتحديث القطاع المصرفي والمالي، ومنع التلاعب بالنظام المالي واتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تساعد في تعزيز الأسواق المالية وأسواق الصرف. وجدد الوفد الأمريكي دعمه لجهود العراق المستمرة لبناء القدرات الفنية وتنفيذ المعايير الدولية لحماية النظام المصرفي من الجرائم المالية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

(*) خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران: أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن استمرار الاتصال مع المسئولين الأمريكيين والإيرانيين،مؤكدًا أن تقليل التوتر بين طهران وواشنطن يصب لصالح العراق. وقال فؤاد حسين، في مقابلة مع موقع "المونيتور" الأمريكي: إننى على اتصال بمسؤولين إيرانيين وأمريكيين، مضيفًا: "يثق الطرفان بنا وهذا أمر جيد"، وأكد أن من مصلحة العراق أن يكون هناك توتر أقل بين واشنطن وطهران. مضيفاً أن الولايات المتحدة حليف مهم، وإيران جارة مهمة نتقاسم معها العديد من المصالح المشتركة، بما في ذلك الحدود والدين والثقافة والاقتصاد والتجارة، معربًا عن أمله أن يبدأ الطرفان في التحدث مع بعضهما البعض مرة أخرى.

(*) تعزيز الاستثمار الأمريكي فى العراق: وفقًا للبيان أعلنت غرفة التجارة الأمريكية أنها ستقود بعثتين أمريكيتين إلى العراق في شهر يونيو 2023 لاستكشاف فرص الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك أشار الوفدان إلى نية مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة ووزارة التجارة العراقية لبدء التخطيط لاجتماع مجلس اتفاقية التجارة والاستثمار فى عام 2023. وتعد هذه الاتفاقية بين البلدين بمثابة منتدى لحل العقبات التجارية، وتعزيز الاستثمار وفرص التجارة الثنائية بينهما. كما أعلن الوفد الأمريكي أن سفارة الولايات المتحدة في بغداد بدأت بالتدريج في تقديم خدمات منح التأشيرات لغير المهاجرين، وأكدت الولايات المتحدة والعراق أنهما يخططان لعقد اجتماعات للجان التنسيق المشتركة تحت اتفاقية الإطار الاستراتيجي واجتماعات إضافية للجنة التنسيق العليا، لمتابعة الاستثمارات فى مجال الطاقة والاقتصاد والتغيرات المناخية.

اتجاه أمريكي للاستثمار في مجال الطاقة العراقي- أرشيفية

(*) تحديث البنية التحتية العراقية للطاقة: نجح العراق في تصدير نفط تقدر قيمته بما يقرب من 100 مليار دولار خلال عام 2022، لذلك كان النفط القضية المركزية على أجندة زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى العراق. كما أبدى الوفدان العراقي والأمريكي خلال اجتماع لجنة التنسيق العليا الأمريكية العراقية موافقتهم على أن للعراق فرصة تاريخية للاستثمار في مبادرات البنية التحتية للطاقة المصممة لتحسين خدمات الكهرباء للشعب العراقي، وتأمين الاكتفاء الذاتي من الطاقة للعراق، وتخفيف الضرر البيئي لكل من المناخ العالمي والصحة العامة العراقية . وتحقيقًا لهذه الغاية، قرر الجانبان تسريع الجهود لالتقاط الغاز المحترق، وتحديث البنية التحتية لتوزيع الغاز الطبيعي، وتقليل تسرب الميثان، والربط الإقليمي لشبكة الكهرباء العراقية ،وتحديث البنية التحتية للكهرباء في العراق، واستكشاف فرص الطاقة المتجددة، كما أشاد الوفد الأمريكي بالتزام العراق بمشاريع الربط الكهربائي الإقليمي مع الأردن والمملكة العربية السعودية، وهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي.

مجمل القول، إن زيارة الوفد العراقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية تعتبرها بعض الاتجاهات سعيًا لحل المشكلات الاقتصادية وفى مقدمتها التحديات التى تواجه القطاع المصرفي بعد الإجراءات الأمريكية، التى اتخذت مؤخرًا، فضلًا عن الرغبة في الحد من التنافس الدولي والإقليمي على مقدرات العراق، وذلك من خلال تفعيل ركائز الشراكة مع القوى الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، وهو الأمر الذى سيكون له مردوده الاقتصادي على التنمية في العراق في ظل اقتناع حكومته برؤيتها لتطوير علاقات العراق الإقليمية والدولية على أسس من التعاون والتوازن والابتعاد عن سياسة المحاور واعتماد سياسة الشراكة الاستراتيجية.