الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أليكس بكري: "حبيبي حسين" رحلة لإنصاف آخر مشغّل سينما في جنين

  • مشاركة :
post-title
لقطة من فيلم "حبيبي حسين"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

وسط التحديات التي تحاصر الثقافة والسينما الفلسطينية، يبرز فيلم "حبيبي حسين" كرحلة إنسانية صادقة تعيد الاعتبار لصوت ظل مهمشًا طويلاً. فقد وجد المخرج الفلسطيني أليكس بكري في شخصية حسين داربي، آخر مشغّل سينما في جنين، حكاية تستحق أن تروى بكل ما فيها من شغف وصدق وذاكرة. ومع الوقت، تحوَّل المشروع من مجرد فيلم إلى علاقة عميقة، ومحاولة حقيقية لحفظ أثر رجل عاش حياته في خدمة السينما.

 وفي حوار خاص لموقع "القاهرة الإخبارية " يكشف أليكس بكري عن تفاصيل رحلته الطويلة مع الفيلم، وكيف أصبح حسين قلب الحكاية وروحها.

حكاية تستحق الراوية

يؤكد أليكس بكري أن بداية رحلته مع فيلم "حبيبي حسين" لم تكن مجرد قرار مهني، بل كانت أشبه بانجذاب غامض نحو رجل رأى فيه ما هو أبعد من شخصية لفيلم، إذ يقول: "عندما التقيت حسين داربي، آخر مشغّل سينما في جنين، شعرت بأن في صوته وملامحه وذاكرته حكاية أكبر من المكان والزمان، حكاية تستحق أن تروى بصدق، وأن تبقى حية مهما تغيرت الظروف.

ويضيف: "في البداية، كنت أؤمن أن مشروع إعادة إحياء سينما جنين يجب أن يُقدَّم من خلال حسين؛ فهو الروح التي بقيت تتردد في أروقة السينما القديمة، والنبض الأخير لذاكرة كاملة كادت أن تُمحى. كنت أبحث عن قصة انتصار، قصة يعود فيها الضوء إلى شاشة أُطفِئَت طويلًا، ويعود معها شيء من حياة هذا المكان إلى أهله. هذا الشغف الأول هو ما قادني نحوه".

وتابع: "لكن رحلتي معه تغيَّرت شيئًا فشيئًا. حين شاهدت النسخة الأولى من الفيلم التي أنجزت ضمن المشروع الألماني، أدركت حجم التهميش الذي تعرض له حسين. رأيت صديقي يُختزل في هامش، بينما كان هو، في الحقيقة، القلب الذي يخفق في عمق هذه الحكاية. شعرت أن من واجبي، أخلاقيًا وفنيًا، أن أدافع عنه. ومع الوقت، أصبحت معركة حسين معركتي أنا أيضًا".

لقطة من فيلم "حبيبي حسين"
نبض جديد

وعن اللحظة التي غيَّرت مسار العمل، قال: "حين أشعل حسين الفحم، وأدار جهاز العرض القديم أمامي. كان المشهد أشبه بعودة روح من سبات طويل؛ ضوء يتسلل من قلب آلة صدئة ليملأ الغرفة بنبض جديد. في تلك اللحظة، فهمت أنني أمام رحلة عمر، لا مجرد مشروع.

ويضيف :"كل حركة كان يقوم بها كانت غارقة بحب أصيل للمهنة، بحرفية متوارثة، وبشغف لا يمكن تزييفه. وجدت نفسي أنجذب إليه أكثر، كأن لقاءنا كان مكتوبًا منذ البداية. بعد تقزيم حضوره في النسخة الأولى، تحول تمسكي بالمادة الأصلية إلى ضرورة. ليس فقط لإنصاف حسين، بل لإنصاف الرواية الفلسطينية نفسها. كيف يمكن لفيلم صور في جنين، مدينة المقاومة، أن يجعل الفلسطينيين مجرد شخصيات هامشية؟".

وتابع: "عام 2011 قررت البدء من الصفر. كنت أحمل في داخلي شعورًا متزايدًا بالمسؤولية تجاه الرجل الذي كان يسألني دائمًا: "وين الفيلم؟ إمتى يخلص؟"، أذكر اللحظة التي عرضت فيها عليه لقطات من البداية. رأيت في عينيه فخرًا صادقًا. عندها أدركت أن الفيلم لم يعد مشروعًا فنيًا فحسب، بل وعدًا يجب أن أفي به.. دَينًا لصديق صار أغلى مما يمكن للكاميرا أن توثقه.

جزء من حياتي

يؤكد المخرج الفلسطيني أن الفيلم صار جزءًا من حياته، إذ يقول :"صار الفيلم جزءًا من حياتي الخاصة. حسين دخل السينما محملًا بعمر كامل من الذكريات، وأنا حملت تلك الذكريات في قلبي. صار حضوره يوجّهني، يلهمني، ويذكّرني بالصدق والإخلاص وقدرة الإنسان على الاحتفاء بالحياة رغم قسوتها. قلت لنفسي دائمًا: كما كان حسين يحتفي بالحياة، سأحاول أن أحتفي بها أنا أيضًا".

ويضيف: "صوّرت المشاهد بنفسي، وبنيت السرد أثناء التصوير. كان التحدي الأكبر هو المونتاج: أن أحذف مشاهد أحببتها كي أحافظ على الإيقاع، وأن أتعامل مع مادة غزيرة تحتاج إلى عين متجددة. جاءت جائحة كورونا كهدية غير متوقعة، منحتني عزلة ضرورية لأرى الفيلم بوضوح، ولأعيد بناء هيكله بعيدًا عن ضغوط الزمن.

وتابع: "رحلتي لم تكن وحيدًا؛ فقد كانت زوجتي فيرونيكا شريكتي في بناء الهيكل السردي، كما دعمني المنتجون ومجموعة كبيرة من السينمائيين الذين أعادوا إلي وضوح البوصلة كلما فقدته".

المخرج الفلسطيني أليكس بكري
سينما بلا منشور سياسي

وعن أسلوبه في العمل، يقول: "حاولت أن أكون محايدًا قدر الإمكان. لم أكن أرغب في خطاب سياسي مباشر، فالسينما بالنسبة لي لغة حسية، تنكشف في الإيحاء لا في الشعارات. أردت أن يقرأ المشاهد ما بين السطور، وأن يصل بنفسه إلى جوهر الحكاية. لهذا كنت سعيدًا بعرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي.. أعرف أن الجمهور المصري يمتلك تلك القدرة الفريدة على قراءة العمق الإنساني والسياسي معًا".

ويختتم بكري حديثه محملا بالعاطفة: "عندما رحل حسين، شعرت بأن الرجل الذي قضى حياته خلف جهاز العرض قد عبر أخيرًا إلى الجهة الأخرى من الشاشة. صار هو الضوء نفسه. تمنيت لو أنه رأى نفسه كما رأيناه، لو شعر بكل هذا الحب، خصوصًا في مهرجان القاهرة، المدينة التي أحبّ سينماها أكثر من أي مدينة أخرى. كل ما أرجوه الآن هو أن تعرف عائلته أي رجل عظيم كان. فالأثر الذي يتركه أصحاب النور لا يموت".