كشف اللواء محمد إبراهيم الدويري، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، عن الآليات التي تعامل بها الوفد الأمني المصري في قطاع غزة خلال الوساطة التي كلف بها للإفراج عن أسرى لدى الفصائل الفلسطينية في عام 2005، مؤكدًا أن تكليف الوساطة كان أمرًا جديدًا عليهم لكن رصيدهم لدى الفصائل سمح لهم بإنجازه.
وقال "الدويري"، خلال استضافته ببرنامج "الجلسة سرية" الذي يقدمه الإعلامي سمير عمر، على شاشة "القاهرة الإخبارية"، إنه "لا يوجد فصيل فلسطيني في غزة إلا ولنا (القاهرة) علاقة معه، سواء فصائل سياسية أو دينية أو المقاومة الفلسطينية"، مؤكدًا أن العلاقات مع الجميع جيدة، وعلى مسافة واحدة ولم يحسب على مصر أنها كانت تؤثر فصيلًا على آخر، وهو ما كان يعطي رصيدًا للتحدث مع الجميع.
وأشار إلى أن مقر إقامة الوفد المصري كان مكانًا آمنًا للآخرين ويلجأون إليه وقت الأزمات.
وعن أزمة الأسرى، أضاف: "علمنا أن هناك صحفيين اثنين أمريكي ونيوزيلندي تم خطفهم من جانب فصيل متطرف وهو فصيل جهادي سلفي، وبعد يومين فوجئنا باثنين من المسؤولين الكبار بشبكة فوكس نيوز يطرقان باب مقر الوفد الأمني المصري، وقالا نصًا إنهما منذ يومين في غزة والتقيا بجميع القيادات الحمساوية والأمنية، ولم يصلا إلى أي حل وطلبوا منا التحرك للإفراج عن النيوزيلندي والأمريكي، وقالا: مقتنعين أنه لن يفرج عنهما سوى الوفد الأمني المصري، وأخبرناهم أننا لن نستطيع التحرك إلا بتعليمات من مصر".
وتابع: "أخبرتهم نصًا أنه على وزيرة خارجية أمريكا السابقة كوندليزا رايس التحدث مع الوزير الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق وطلب ذلك منه، وبالفعل وصلت لنا التعليمات وبدأنا التحرك في نفس اليوم والتقينا بمن هم دون الفصائل كالتشكيلات التي يمكن أن تخطف أي شخص، ولم يكن خطفهم إلا لإثبات وجود وإظهار قوة، وتوتير الوضع الأمني".
يروي الدويري كواليس العمل قائلًا: "تحركنا طوال 4 أو 5 أيام، والتقينا معهم وطلبنا منهم إنهاء هذه الأزمة وكانت مساهمتنا رئيسية في الإفراج عن الأمريكي والنيوزيلندي ونُقِلا من غزة وطلبت منهم عدم ذكرنا على الإطلاق وفي طريقهم إلى القدس شكروني وقلت لهم كما بدأتم انتهوا وعلى كوندليزا رايس تقديم الشكر للوزير عمر سليمان وهو ما حدث".
وبيّن "الدويري" أن وجود الوفد الأمني المصري لم يكن للإشراف عن الانسحاب أو المصالحة أو الوساطة لكن كل مشكلات غزة كانت أمامهم وتعاملوا معها بقوتهم وعلاقتهم والقيادة السياسية ودعم قيادة الجهاز ومصر ككل، مشددًا: "كنا قادرين على اخترق كل القضايا والوصول إلى حلول".
حماس وإسرائيل رفضتا دور السلطة
وأشار الدويري، إلى أنه في 2 يوليو 2006 أي بعد عملية خطف الجندي جلعاد شاليط بأيام، اتصل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك بالرئيس محمود عباس أبو مازن وحثه على محاولة إنجاز هذه الصفقة بأسرع ما يمكن حتى يكون هناك مساحة نستطيع -مصر- التحرك فيها في الشق السياسي.
واستكمل الدويري حديثه، أن إسرائيل وحركة حماس في هذا التوقيت لم ترغبا في دور للسلطة الفلسطينية رغم أن العلاقة في هذا التوقيت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية كانت معقولة، وكانت تتم لقاءات بين أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وكانت تتم لقاءات بين أبو مازن والأحزاب الإسرائيلية خصوصًا اليسارية، وكان هناك نوع من الحراك بين الطرفين.
وواصل: "عندما عملنا في قضية شاليط حاولنا بقدر الإمكان أن نزرع هذه القضية في حقل القضية الفلسطينية ككل، ولكن كان من الواضح أن حماس ترفض رفضًا مطلقًا أن يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في هذه القضية، وهذا كان يعكس مدى سوء العلاقة بين السلطة وحركة حماس، وهذا أيضًا كان ينبئ ومقدمة لما حدث بعد ذلك وكان القادم أسوأ لأن الانقلاب على السلطة الفلسطينية تم بعدها بنحو سنة".
فشل إسرائيلي
وذكر وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، أنه قبل انقلاب حماس وسنة 2000 تحديدًا ثم منذ بداية انسحاب إسرائيل في سبتمبر 2005 وحتى الانقلاب الحمساوي، كانت حماس موجودة على الأرض وتعمل بشكل صحيح، وكانوا يعدون أنفسهم للمرحلة القادمة، وكانت حماس قادرة على إخفاء شاليط طوال 5 سنوات و4 أشهر وأسبوع وهي قدرة فائقة.
واستطرد الدويري، أن إسرائيل استنفدت كل جهودها لمحاولة معرفة أين يختبئ شاليط، فالشاباك يعمل في الداخل والموساد في الخارج وخطفوا أفرادًا في الداخل عن طريق مستعربين وخطفوا شخصيات فلسطينية من بعض الدول الأوروبية، لكي يقول أي شخص منهم أين مكان شاليط، وفشلت إسرائيل فشلًا ذريعًا في معرفة مكانه وحتى الآن في معرفة وجود الرهائن.
وتابع: "الإسرائيليون حاولوا معي أكثر من مرة وألحوا أن أطمئنهم على صحة شاليط وأن أذهب إليه، ولكن موقفنا كان الرفض التام، ولم يكن خوفًا على النفس فقد كانت البيوت بجوارنا تدمر ولم نخف، ولكن كان حرصنا على أنهم من الوراد أن يتم متابعتنا بشكل ما أثناء الذهاب إليه وبالتالي يقصف مكانه لذلك رفضنا وهذا الأمر ليس من شيمنا على الإطلاق".
حماس طلبت الوساطة المصرية
وكشف وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، عن أن الفريق المصري كان يعمل في وضع صعب للغاية، وتحركاتهم كانت حذرة والوضع الأمني متوتر وإسرائيل تقصف يوميًا بلا هوادة، وكانت هناك محاولات وساطة كثيرة عملت معنا للإفراج عن شاليط، وحاول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، والتقى بقادة حماس، وكذلك وساطة نرويجية وسويسرية وفرنسية وقطرية وبريطانية وتركية، وكلها فشلت ولم تنجح على الإطلاق فيما عدا الوساطة الألمانية.
واستكمل: "أنه تم خطف شاليط بعد تحرك عناصر الساعة 5.15 فجر يوم 25 يونيو 2006 من الفصائل الفلسطينية الثلاث، هي حماس وجيش الإسلام ورجال المقاومة الشعبية، وتحركوا من أحد الأنفاق ووصلوا حتى كرم أبو سالم ودخلوا على موقع إسرائيلي وهاجموه وقتلوا جنديين إسرائيليين ودمروا دبابة وأصابوا 4 جنود آخرين وأسروا جلعاد شاليط الذي كان مصابًا ثم أخفوه، وأعلنوا في البداية أنها عملية هجوم على موقع عسكري ثم تم الإعلان عن أن جلعاد شاليط في حوزة الفصائل الفلسطينية، وأسموا هذه العملية باسم الوهم المتبدد عليها".
وتابع: "بعد 4 أيام من الخطف اتصل بنا أحد قيادات حماس السياسية المخضرمة -وهو لايزال على قيد الحياة- وطلب مقابلتنا وكان الكلام صراحة أن شاليط لديهم في الجناح العسكري لحركة حماس، وطرحوا حينها أنهم مستعدين للإفراج عنه مقابل أسرى بضمانة مصرية، وأرسلت هذا الأمر إلى القاهرة، إذ إن طلب الوساطة جاء بمبادرة من حركة حماس، وأرسلنا الأمر إلى القاهرة لأننا لا نتحرك إلا بتعليمات، وقيادة الجهاز أبلغتنا أن نبدأ في المفاوضات لنرى مطالب حماس ونفكر في كيفية عمل اتصالات مع الجانب الإسرائيلي ومن خلال الطرفين نصل إلى حلول".