يصادف عام 2025 الذكرى الثمانين لانتصار الصين في حرب المقاومة ضد اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية. وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة الصينية عن إقامة احتفال وطني ضخم غدًا الأربعاء، بساحة "تيان آن من" في بكين، يتضمن عرضًا عسكريًا كبيرًا وتاريخيًا يجسد قوة الصين ومكانتها العالمية.
هذا العرض ليس مجرد استعراض عسكري تقليدي، بل حدث سياسي واستراتيجي متعدد الأبعاد، يحمل رسائل عميقة داخليًا وخارجيًا في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية العالمية.
رسالة العرض
وقال المتحدث باسم سفارة جمهورية الصين الشعبية في مصر، "دو شياو جونج" في حديث خاص لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن الانتصار في الحرب العالمية الثانية في عام 1945 لا يرمز إلى انتهاء الحرب فحسب، بل يعكس تقدمًا هائلًا للبشرية نحو بناء قواعد العلاقات الدولية بشكل حضاري، حيث تأسست الأمم المتحدة، وفُتحت صفحة جديدة للحوكمة العالمية.
وأضاف أنه بعد ثمانين عامًا، لم يتغير تيار العصر المتمثل في السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك، غير أن عقلية الحرب الباردة والهيمنة والحمائية لا تزال قائمة، مع تزايد التهديدات والتحديات الجديدة، مؤكدًا أنه لا عودة لقانون الغاب مرة أخرى.
وفي هذا الصدد، طرح "دو شياو جونج" عددًا من التساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى العودة لعالم يسوده قانون الغاب، حيث القوة هي الحق، أم سيتم التمسك بالتعددية الحقيقية.
وواصل: "لقد قدم لنا التاريخ الجواب الأمثل.. كلما كانت الأوقات عصيبة، زاد تمسكنا بالتعايش السلمي، وإيماننا بالتعاون والكسب المشترك، وجهودنا في مواكبة تيار التاريخ والدفع بإصلاح نظام الحوكمة العالمية وبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. ها هو احترام للتاريخ، وكذلك وعد للمستقبل".
تدهور النظام العالمي
قال "ما فوده" أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "شيآن" الصينية في حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن الاحتفال بذكرى النصر لا يقتصر على استحضار الماضي، بل يرتبط بتأكيد مواقف الصين الاستراتيجية في الحاضر. وخاصة أن العرض يأتي في وقت يشهد فيه النظام الدولي تدهورًا متسارعًا للأمن العالمي، وسط تصاعد السياسات الأحادية والتوسع العسكري لبعض القوى الغربية.
وأضاف "ما فوده"، أن التقرير يشير إلى أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، انتهجت في السنوات الأخيرة سياسات توسعية، وأثارت صراعات إقليمية، بل لوّحت باستخدام القوة ضد دول أخرى، وهو ما يهدد الاستقرار الدولي.
مواجهة الهيمنة
من هذا المنطلق، أكد أستاذ العلاقات الدولية، أن الصين ترى أن من واجبها ومعها الدول النامية الاستعداد لمواجهة ما يُعرف بـ"تغيرات القرن"، وحماية مصالحها الاستراتيجية في مواجهة سياسات الهيمنة.
وأوضح لـ"القاهرة الإخبارية"، أن غياب بعض قادة الغرب عن الاحتفال يقابله حضور واسع من قادة آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، في مشهد يعكس التحولات الجيوسياسية الراهنة.
وأشار إلى أن المشاركة في العرض العسكري لا تقتصر على الطابع البروتوكولي، بل تمثل موقفًا سياسيًا يعبر عن رفض الأحادية القطبية، والدعوة لبناء نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافًا.
الحفاظ على الأمن العالمي
قال سون ده قانج، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة "فودان" في حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن الصين تسير في طريق التنمية السلمية خلال العصر الجديد، وترسل في إطار الأمم المتحدة قوات حفظ السلام إلى بؤر النزاعات الإقليمية، وتشارك في مهام مرافقة السفن في خليج عدن، وتشارك في جهود الإغاثة من الفيضانات والكوارث داخل الصين وفي مختلف أنحاء العالم.
وأكد "سون" أن جيش التحرير الشعبي الصيني هو جيش للسلام وللعدالة، مشيرًا إلى أن صعود القوة العسكرية الصينية كبح اندلاع حرب عالمية ثالثة، وباعتبارها قوة كبرى مسؤولة، وقوة نووية ضمن بلدان الجنوب العالمي، فقد ضخت القوة العسكرية الصينية اليقين في عالم مليء بعدم اليقين، وحافظت على السلام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بل وفي العالم بأسره.