أطفال غزة مهددون بالشلل.. إسرائيل تبحث الانسحاب من "الصحة العالمية"
في خضم النقاشات السياسية المستمرة في إسرائيل، تبرز قضية الانسحاب من منظمة الصحة العالمية كإحدى القضايا الجدلية التي تشغل الأوساط السياسية والصحية على حد سواء.
وبينما يسعى بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي إلى الدفع باتجاه فك ارتباط إسرائيل مع المنظمة، يحذّر خبراء الصحة ونقابات الأطباء من تداعيات خطيرة قد تنجم عن هذه الخطوة، خاصة في ظل الأوبئة العالمية والاحتياجات الطبية لسكان قطاع غزة.
جدل سياسي حول الانسحاب
قبل يوم من اجتماع لجنة الصحة في الكنيست الإسرائيلي، الذي تقرر انعقاده لمناقشة اقتراح بعض أعضاء الكنيست بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، عبّر كبار الأطباء ونقابة الأطباء عن معارضتهم لهذه الخطوة، مشيرين إلى أنها قد تترك إسرائيل بدون دعم مهني في حالات الأوبئة، وبدون المساعدات الطبية المخصصة لسكان غزة.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، فإن الاجتماع، الذي من المتوقع أن يُعقد بسرية جزئية، سيتناول التداعيات الأمنية والاستعدادات للطوارئ.
وأوضحت وزارة الصحة الإسرائيلية أن قرار الانسحاب من المنظمة لا يمكن أن يُتخذ إلا على مستوى الحكومة، مؤكدة أن إسرائيل، التي انضمت إلى منظمة الصحة العالمية عام 1948 كجزء من مجموعة الدول الأوروبية، ترى أهمية في الحفاظ على مساحة صنع القرار الخاصة بها داخل المنظمة، كما أكدت الوزارة أن نائب مديرها العام، الدكتور آشر شلمون، عضو في اللجنة التنفيذية العالمية لمنظمة الصحة.
مبررات المطالبين بالانسحاب
في رسالة موجهة إلى رئيس لجنة الصحة في الكنيست، يوناتان مشرقي، وقع خمسة أعضاء على طلب الانسحاب، وجاء في الرسالة أن منظمة الصحة العالمية "تعمل بنهج عدائي تجاه إسرائيل، وتتبنى قرارات تضر بحقوقها على الساحة الدولية، كما أنها مشبعة بمعاداة السامية والتمييز ضد إسرائيل".
واستشهد مقدمو الطلب بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة فور توليه منصبه، معتبرين أن إسرائيل يجب أن تحذو حذو واشنطن للحفاظ على مصالحها الدولية.
دور المنظمة في غزة
يشكّل الانسحاب الإسرائيلي المحتمل من المنظمة تحديات إضافية، خاصة فيما يتعلق بالدعم الصحي لسكان قطاع غزة، فقد أجرت منظمة الصحة العالمية أخيرًا جولة تطعيم واسعة ضد شلل الأطفال، استهدفت أكثر من 591 ألف طفل تحت سن العاشرة، كما قامت المنظمة بجولتين سابقتين من التطعيم في غزة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2024، حيث تجاوز معدل التغطية 95٪ من المستهدفين.
حذّر البروفيسور ناداف دافيدوفيتش، رئيس قسم السياسة الصحية في مركز تاوب وعضو المجلس التنفيذي للجمعية الأوروبية لمدارس الصحة العامة (ASPHER)، من أن الانسحاب من المنظمة قد يعرّض إسرائيل لخطر صحي كبير، وأن التعاون مع المنظمة يوفر لإسرائيل معلومات ضرورية حول الأوبئة العالمية، مثل توصيات لقاحات الإنفلونزا ومكافحة مقاومة المضادات الحيوية.
وأشار دافيدوفيتش إلى أن انسحاب إسرائيل سيضر بها أكثر من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، نظرًا لحجمها الصغير واعتمادها على التعاون الإقليمي، لا سيما في قضايا الصحة العامة، وأن الأمراض المعدية وتلوث الهواء والمياه لا تعترف بالحدود، وأن غياب التنسيق الإقليمي قد يؤدي إلى تفاقم المخاطر الصحية.
موقف المؤسسات الطبية في إسرائيل
أعربت نقابة الأطباء في إسرائيل عن قلقها من أن انسحاب إسرائيل من المنظمة قد يؤثر سلبًا على الأمن الصحي العام في البلاد، وأكدت في وثيقة رسمية أن إسرائيل ملتزمة بتعزيز الصحة العالمية، وأن الانسحاب سيؤدي إلى فقدانها إمكانية الوصول إلى المعلومات الطبية العالمية، ما قد يعوّق جهودها في مكافحة الأمراض والأوبئة.
وأشار البيان إلى أن العضوية في منظمة الصحة العالمية تتيح لإسرائيل المشاركة في تطوير اللقاحات ومتابعة تحذيرات الأوبئة العالمية، كما توفر لها إمكانية التأثير على السياسة الصحية العالمية والاستفادة من التمويل والموارد الدولية.
انعزال دولي محتمل
يحذّر الخبراء من أن خطوة الانسحاب قد تُفسَّر على أنها عزلة دولية لإسرائيل، خاصة في ظل الجهود الدبلوماسية لتحسين علاقاتها الخارجية، وقالت البروفيسورة دوريت نيتسان، مديرة مدرسة الصحة العامة في جامعة بن جوريون والرئيسة السابقة لمركز عمليات الطوارئ الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، إن انسحاب إسرائيل سيجعلها ثقبًا أسود في مجال الصحة العامة، حيث ستفقد الوصول إلى المعلومات الحيوية حول تفشي الأمراض في الدول المجاورة.