في عالمٍ تتشابك فيه التوترات الإقليمية مع الصراعات الجيوسياسية الكبرى، تلعب روسيا دورًا مركزيًا في رسم معادلات القوة والتأثير، إذ كشفت وثائق عسكرية روسية مسرّبة، حصلت عليها صحيفة "فايننشال تايمز"، عن سيناريوهات عسكرية مثيرة للجدل تتعلق بجناحها الشرقي.
هذه الوثائق تعيد تشكيل الفهم التقليدي حول الاستراتيجية العسكرية الروسية، حيث تتضمن خططًا تفصيلية لضربات محتملة على اليابان وكوريا الجنوبية، في هذا التقرير، نسلط الضوء على أبرز ما جاء في الوثائق، التي تعكس مزيجًا من الدقة الاستراتيجية والقلق المتزايد تجاه التحولات العالمية.
الوثائق المسرّبة
وفقًا للتقرير، تتضمن الوثائق 29 ملفًا سريًا يعود تاريخها إلى الفترة بين عامي 2013 و2014، وتشمل هذه الملفات قائمة شاملة بـ160 هدفًا استراتيجيًا في اليابان وكوريا الجنوبية، من بينها محطات للطاقة النووية، مصانع كيميائية، قواعد رادار، مطارات، ومنشآت بحرية، وتهدف هذه الضربات إلى إضعاف القدرات العسكرية وتحييد البنية التحتية الحيوية، ما يترك الدولتين في حالة من الشلل خلال أوقات الصراع.
من بين التفاصيل الأكثر إثارة، يظهر اعتماد روسيا على صواريخ كروز غير النووية من طراز Kh-101، التي تم تحديدها كالسلاح الأساسي للهجمات، وثّقت إحدى الشرائح في الملفات خطة لضربة افتراضية على قاعدة رادار يابانية في أوكوشيريتو، تُقدر نسبة نجاحها بـ85% إذا أُطلقت 12 صاروخًا، ومع ذلك، أثار الخبراء شكوكًا حول فعالية هذه الصواريخ، مشيرين إلى مشكلات تتعلق بالتخفي والدقة، التي ظهرت لاحقًا أثناء غزو روسيا لأوكرانيا.
حماية الحدود الشرقية
تشير الوثائق إلى أن روسيا تعتبر جناحها الشرقي عرضة لتهديدات محتملة، خاصة من قوات حلف شمال الأطلسي وحلفائه الإقليميين. وفي حالة تصاعد الصراع الأوروبي، قد تجد روسيا نفسها مضطرة للرد على الوجود العسكري الأمريكي في اليابان وكوريا الجنوبية، وتعكس هذه الخطط استعدادًا روسيًا للتصعيد الأفقي، وهو مفهوم يُشير إلى انتقال الصراعات من مسرح إلى آخر.
وقد أشار الخبراء، مثل ميتشيتو تسوروكا، إلى أن استعداد اليابان لمثل هذا الصراع سيكون مقيدًا بسبب أوقات التحذير القصيرة وخيارات الرد المحدودة.
توترات دبلوماسية وجيوسياسية
رغم التفاوض المستمر بين اليابان وروسيا حول النزاعات الإقليمية، مثل قضية جزر الكوريل، إلا أن الوثائق تعكس موقفًا عسكريًا عدائيًا تجاه اليابان، كما أضافت تعليقات دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، حول جزر الكوريل، بُعدًا دبلوماسيًا معقدًا إلى الوضع.
تتزامن هذه التطورات مع استمرار العمليات العسكرية الروسية الاستكشافية، وكشفت إحدى الوثائق عن مهمة نفذتها قاذفات Tu-95 في فبراير 2014 لاختبار الدفاعات الجوية لليابان وكوريا الجنوبية، ما يعكس تركيز موسكو على تقييم قدرات جيرانها العسكرية.
ربط بين مسارح الحرب
أكد ويليام ألبيرك، المسؤول السابق عن ضبط الأسلحة في حلف شمال الأطلسي، أن التوترات في أوروبا وآسيا مترابطة، وشدّد على أن أي صراع في أوروبا لن يمر دون تأثير في آسيا، والعكس صحيح. هذه الرؤية تسلط الضوء على المخاطر المتزايدة للتوترات الجيوسياسية العالمية، خاصة مع تعمق الروابط بين القوى العسكرية الكبرى.
وتشكل هذه الوثائق المسربة نافذة نادرة على الاستراتيجية العسكرية الروسية، التي توازن بين التحضير للصراعات المحلية والإقليمية وبين التصعيد العالمي. مع تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، يبقى جناح روسيا الشرقي نقطة تحول مهمة في مستقبل الأمن العالمي.