يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تنفيذ مهمة دبلوماسية حاسمة قد تضع مستقبل الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور على المحك، إذ يهدف خلال جولته بأمريكا اللاتينية، إلى إبطاء توقيع الاتفاق الذي يعد من أكبر الاتفاقات التجارية في العالم، ويشمل دولًا مثل الأرجنتين والبرازيل وأوروجواي وباراجواي، بعد أن أثار جدلًا واسعًا داخل فرنسا، بسبب المخاوف البيئية والاقتصادية، ويأمل ماكرون في إحداث تغييرات رئيسية فيه لضمان حماية مصالح بلاده.
اتفاق ميركوسور
تأسس "ميركوسور" (سوق الجنوب المشترك) في عام 1991 ويشمل دول الأرجنتين، البرازيل، أوروجواي، وباراجواي، وهي عبارة عن تكتل اقتصادي يهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين أعضائه، وتحقيق تكامل اقتصادي أكبر في منطقة أمريكا الجنوبية، ويشمل الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي إجراءات تجارية رئيسية مثل إزالة الحواجز الجمركية، وزيادة التجارة بين هذه الدول والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية.
فرنسا تعارض الاتفاق
وأوضحت صحيفة "بوليتيكو" أنه مع بداية المفاوضات بشأن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور، تصاعدت معارضة فرنسا بشكل ملحوظ، وخصوصًا من قبل الفلاحين الفرنسيين.
القلق الأكبر يتمثل في احتمال تدفق منتجات زراعية رخيصة من دول ميركوسور، خاصة اللحوم المصدَّرَة من البرازيل والأرجنتين، والتي قد تؤثر سلبًا على سوق الزراعة في فرنسا، إذ يرى المزارعون الفرنسيون أن تدفق هذه المنتجات إلى الأسواق الأوروبية سيؤدي إلى تقليل أسعار منتجاتهم، ما قد يلحق ضررًا كبيرًا بالقطاع الزراعي في فرنسا.
بالإضافة إلى ذلك، تشعر الحكومة الفرنسية بقلق متزايد بشأن الآثار البيئية للاتفاق، فدول ميركوسور، مثل البرازيل، بحسب ما تشير الصحيفة تواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بإزالة الغابات، مما يشكل تهديدًا للجهود العالمية في مكافحة تغير المناخ.
لهذا السبب، تطالب فرنسا بأن يتم تضمين شروط صارمة في الاتفاق تتعلق بحماية البيئة، بما في ذلك ضمان التزام الدول الموقعة باتفاق باريس للمناخ، وتطبيق معايير الإنتاج الزراعي المستدام.
ضغوط داخلية تضع ماكرون في موقف حرج
قالت الصحيفة إن موقف ماكرون من الاتفاق يعكس الضغوط السياسية التي يواجهها في الداخل الفرنسي، إذ في الأشهر الأخيرة، خسر الرئيس الفرنسي الكثير من رأسماله السياسي بعد الهزيمة الكبيرة لحزبه في الانتخابات الأوروبية، ما دفعه إلى اتخاذ خطوات جريئة، مثل الدعوة لانتخابات عامة مبكرة، والتي انتهت بفقدان حزبه الأغلبية البرلمانية.
هذا الوضع أضعف قدرة فرنسا على التأثير في المفاوضات الأوروبية، وجعل من الصعب عليها تكرار النجاحات السابقة في تعطيل أو تعديل الاتفاقات التجارية.
في هذا السياق، تكثف فرنسا من محاولاتها لحشد الدعم ضد الاتفاق، إذ يتواصل رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه مع المسؤولين الأوروبيين، وعلى رأسهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لمطالبتها بتأجيل توقيع الاتفاق، مع التأكيد على ضرورة إدخال تعديلات على بنوده.
وفي تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام، وصف بارنييه الاتفاق بأنه "كارثي" بالنسبة لفرنسا، محذرًا من العواقب السياسية التي قد تترتب على توقيعه دون التوصل إلى تغييرات جوهرية.
مفاوضات حاسمة مع القادة اللاتينيين
خلال جولته في أمريكا اللاتينية، سيحظى ماكرون بفرصة اللقاء مع عدد من القادة الرئيسيين في دول ميركوسور، بما في ذلك الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، إذ يعتبر هذا الاجتماع بالغ الأهمية، لأنه في حال تمكن ماكرون من إقناع لولا بتعديل الاتفاق ليلبي بعض المطالب الفرنسية، قد تتحقق بعض التنازلات التي من شأنها تهدئة معارضة فرنسا.
تسعى فرنسا من خلال هذه المفاوضات إلى تضمين شروط تجعل دول ميركوسور تلتزم بمعايير زراعية وبيئية تتماشى مع المعايير الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، يتمسك المسؤولون الفرنسيون بفكرة فرض عقوبات على أي دولة تخالف التزاماتها البيئية، بما في ذلك إمكانية تعليق الاتفاق في حال عدم الوفاء بشروط الحفاظ على البيئة.
الاتفاق على شفا الانفجار
على الرغم من هذه المحاولات الدبلوماسية، فإن فرنسا تدرك أن المعركة ضد الاتفاق التجاري قد تكون قد اقتربت من نهايتها.
وبالرغم من أنها لا تزال تسعى لإبطاء توقيع الاتفاق وتعديل بعض بنوده، فإن الاتحاد الأوروبي يرى أن الاتفاق يحمل العديد من الفوائد الاقتصادية للدول الأعضاء، مثل فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية الأوروبية، خاصة المنتجات الفرنسية مثل النبيذ ومنتجات الألبان.
ومع ذلك، يؤكد المسؤولون الفرنسيون أن الاتفاق الحالي لن يمر بدون تغييرات جوهرية، وقالت وزيرة التجارة الفرنسية صوفي بريماس، في تصريح لصحيفة "بوليتيكو"، إن فرنسا لن توافق على الاتفاق إذا لم يتم تلبيتها لبعض المطالب الأساسية مثل فرض شروط بيئية ملزمة وضمان حقوق المزارعين المحليين.
وأضافت أن التوقيع على الاتفاق في صيغته الحالية سيؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات في فرنسا، وسيقوض الثقة بين الشعب الفرنسي والمؤسسات الأوروبية.