في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، تتجه الأنظار نحو طهران لمعرفة ردود فعلها المحتملة على التطورات الأخيرة في المنطقة، ووفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن القيادة الإيرانية تجد نفسها في موقف دقيق يتطلب موازنة حذرة بين الرد على ما تعتبره استفزازات إسرائيلية وتجنب الانزلاق نحو حرب شاملة.
صراع الأجنحة
رغم الصورة الموحدة التي تحاول إيران تقديمها للعالم الخارجي، إلا أن الواقع الداخلي يكشف عن وجود فصائل متعددة تتنافس للتأثير على صناعة القرار، إذ يشير التقرير إلى وجود تيارين رئيسيين، هما التيار المعتدل، الذي يميل إلى تفضيل الحلول الدبلوماسية والتفاوض، ويُعتقد أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، المنتمي للتيار الإصلاحي، يمثل هذا الاتجاه، إذ قدّم في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة ما يبدو أنه غصن زيتون للغرب، مقترحًا إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
والتيار الآخر هو المتشدد، الذي يؤمن بضرورة استخدام القوة والرد الحازم على ما يعتبرونه تهديدات خارجية، ويُعتقد أن الحرس الثوري الإيراني يمثّل العمود الفقري لهذا التيار.
يقول بهنام بن طالب لو، خبير شؤون إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "على الرغم من طبيعتها الاستبدادية، فإن إيران لطالما كانت تضم فصائل متنافسة تختلف حول طريقة تفاعلها مع العالم الخارجي".
بين التصعيد والحذر
رغم الخطاب المتشدد الذي يتبناه خامنئي علنًا، إلا أن المحللين يرون أنه لا يزال حريصًا على تجنب حرب شاملة، بينما يسعى في المقابل إلى إظهار قدرة إيران على الوقوف في وجه أعدائها.
هذا التوازن الدقيق يتجلى في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إيران، فعلى سبيل المثال، أطلقت إيران في الأول من أكتوبر نحو 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، في ثاني هجوم مباشر تشنّه طهران على الدولة العبرية، كرد على اغتيال قادة في حزب الله وحماس، وهما حليفان رئيسيان لإيران في المنطقة.
دور الحرس الثوري
تشير الصحيفة العبرية إلى أن الحرس الثوري الإيراني، يلعب دورًا محوريًا في صناعة القرار الإيراني، كما أن هناك شخصيات نافذة وغير معروفة للعامة داخل مكتب المرشد الأعلى، بمن فيهم ابنه مجتبى، الذي يُنظر إليه أحيانًا كخليفة محتمل.
خطاب متشدد
في خطبة نادرة أوائل أكتوبر الجاري، تعهد خامنئي بأن حلفاء إيران، وعلى رأسهم حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، "لن يتراجعوا" في حربهم ضد إسرائيل، التي وصفها بأنها "لن تعيش طويلًا".
لكن هذا الخطاب المتشدد يقابله حذر شديد في الممارسة العملية، إذ يقول الدكتور كريم سجادبور، زميل أول في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: "خامنئي يسعى لتحقيق توازن دقيق بين إظهار قوة إيران وردع إسرائيل من جهة، وتجنب مواجهة مباشرة قد تكون مكلفة للغاية من جهة أخرى".
الرد الإيراني المحسوب
تجلى هذا التوازن الدقيق في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إيران، ففي الأول من أكتوبر الجاري، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، في ثاني هجوم مباشر تشنه طهران على الدولة العبرية.
هذه الخطوة جاءت كرد على سلسلة من الأحداث التي اعتبرتها إيران استفزازات خطيرة، بما في ذلك اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران في يوليو الماضي، وأيضًا اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في بيروت أواخر سبتمبر الماضي.
يقول الدكتور فريد زكريا، المحلل السياسي البارز: "الهجوم الصاروخي الإيراني كان رسالة قوية لإسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن إيران قادرة على الرد، لكنه في الوقت نفسه كان محسوباً بدقة لتجنب التسبب في خسائر بشرية كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب."