الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بنديكت الـ16.. البابا الألماني الجدلي بداية من موطنه وحتى تنحيه

  • مشاركة :
post-title
البابا بنديكت السادس عشر

القاهرة الإخبارية - سامح فواز

عندما أصبح بنديكت الـ16، البابا رقم 265 للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، مثّل ذلك تتويجًا للصعود السريع والمثير للجدل للغاية للألماني جوزيف راتزينجر، حيث صوره مؤيدوه على أنه رجل مثقف للغاية، عمل على حماية الإرث الروحي الذي تركه له البابا يوحنا بولس الثاني، وعلى النقيض من ذلك، نظر إليه منتقدوه كداعية ووصي متشدد، يحافظ على النهج العقائدي التقليدي للكنيسة الكاثوليكية.

وعندما جلس بنديكت الـ16 على كرسي الباباوية في عام 2005، تسببت الشيخوخة في اعتلال صحته، ما دفعه إلى الاستقالة بعد أقل من ثماني سنوات، ومثل ذلك أول سابقة لتنحي البابا منذ عام 1415، عندنا تنحى جريجوري الثاني عشر.

وُلِد جوزيف الويسيوس راتزينجر لعائلة كاثوليكية عميقة في 16 أبريل 1927، بولاية بافاريا جنوب ألمانيا، وعلى حد تعبيره، كان والده ضابط شرطة له جذور ريفية بسيطة.

إرث معقد

ترك البابا بنديكت السادس عشر وطنه عام 2005 مع إرث معقد، ليجلس على كرسي القديس بطرس في الفاتيكان تاركًا خلفه كنيسة منقسمة بشأن الحاجة إلى إصلاحات، وذلك في أعقاب عدة هزات وانتقادات طالت الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا، علاوة على آراء متباينة بشأنه، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا، فالمسيحيون ينقسمون في ألمانيا، بالتساوي تقريبًا، بين الكاثوليك والبروتستانت، كما أن مواقفه "المحافظة" أثرت على الكثيرين هناك.

جوزيف الويسيوس راتزينجر وسط اسرته

انقسام ألماني

في اليوم التالي لانتخاب الكاردينال جوزيف راتزينجر كأول بابا ألماني منذ قرون في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية عام 2005، عنونت صحيفة بيلد الألمانية في صفحتها الأولى "نحن البابا!"، وردت صحيفة "تاجزيتونج" ذات الميول اليسارية بالعنوان "يا إلهي!" وكأن ذلك يعكس اختلاف الآراء بشأنه حتى داخل وطنه.

ألمانيا تنعي ابنها

نعى المستشار أولاف شولتس البابا الراحل قائلا: "بصفته البابا الألماني، كان زعيمًا خاصًا للكنيسة بالنسبة للكثيرين، وليس فقط في هذا البلد"، كما أشاد "شولتس"بالبابا الراحل باعتباره "شخصية تكوينية للكنيسة الكاثوليكية، وقتالية وعالم لاهوت حكيم"، بحسب ما أفادت إذاعة "دويتش فيلة" الألمانية.

وقال المطران جورج بيتزينج رئيس الأساقفة الألمان: "نشعر بامتنان للبابا بنديكتوس السادس عشر، لقد ولد في بلدنا، وكان موطنه هنا، وساعد في تشكيل حياة الكنيسة هنا كمعلم لاهوت وأسقف"، وفقا لوكالة "رويترز".

البابا بنديكتوس السادس عشر وخليفته الحالي البابا فرانسيس

انقسامات

بعد عقد من استقالته، ظهرت انقسامات عميقة في الكنيسة الألمانية بين المحافظين من أنصار فريق "بنديكت"، و"الليبراليين النسبيين"، وقال إيرمي ستيتر كارب، رئيس اللجنة المركزية للكاثوليك الألمان "ZDK" : "لقد ملأ البابا الألماني الكثيرين بالفخر ، ولكن قبل كل شيء بالأمل، بالنسبة للبعض، وبالنسبة للبعض الآخر، لم يتحقق أملهم في معرفة كيف يمكن أن تنجح المسيحية في القرن الحادي والعشرين من خلال وجود بابا مثقف على كرسي بطرس".

منذ عام 2019، انخرط الأساقفة الكاثوليك الألمان وممثلون من ZDK في عملية تقارب في الرؤى، وتناولت دعوات للسماح بمباركة الأزواج من نفس الجنس، والكهنة المتزوجين، ورسامة النساء كشمامسة، فيما يصر قادة الكنيسة الألمانية على أن العملية لن تؤدي إلى الانقسام ويتعهدون بإكمالها، حتى وهم يواجهون ضغوطًا من مسؤولي الفاتيكان.

البابا بنديكتوس السادس عشر

ظل البابا المتقاعد ينأى بنفسه بعيدًا عن الصراع على الرغم من إشارة جورج جينسوين، سكرتيره ورئيس الأساقفة، إلى شكوكه القوية بشأن عملية الإصلاح المزعومة المشتركة بين ZDK والأساقفة الكاثوليك الألمان.

زلزال يهز الكنيسة الألمانية

في عام 2018، خلص تقرير صادر عن الكنيسة الألمانية إلى أن 3677 شخصًا على الأقل تعرضوا للاستغلال الجسدي من قبل رجال الدين في ألمانيا بين عامي 1946 و 2014، وكان أكثر من نصف الضحايا بعمر 13 عامًا أو أقل، وذلك بحسب "بي بي سي".

وتم إعلان التقرير، ردًا على فضيحة التحرش التي زلزلت الكنيسة في ألمانيا، وهو الأمر الذي أسهم في ترك أعداد كبيرة من الألمان للكنيسة رسميًا، بحسب ما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".

وكُلفت العديد من الإيبارشيات مكاتب المحاماة أو غيرها بإعداد تقارير لتقصي الحقائق، ما أدى ذلك إلى توترات هائلة في إيبارشية كولونيا، حيث واجه رئيس الأساقفة، الكاردينال راينر ماريا وولكي، انتقادات واسعة النطاق للتستر على تقرير أمر بكتابته.

الراحلان البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر

تجاهل ضحايا الانتهاكات الجسدية

رفض المحققون، وهم محامون كلفتهم إيبارشية ميونيخ وفريسينج الكاثوليكية لفحص ملفاتها من عام 1945 إلى عام 2019، مزاعم البابا السابق بأنه ليس على علم بالقضايا ووصفها بأنها "غير موثوقة"، ووجد التقرير أن الكنيسة في ميونيخ وفريسينج تجاهلت ضحايا الاعتداء الجنسي على يد رجال الدين، ورأت أن أولئك الذين لاحظتهم "يشكلون خطرًا على المؤسسة"، بحسب ما أفادت صحيفة "أيريش تايمز"، وطلب "بنديكت" العفو عن ما أسماه بأي "أخطاء جسيمة" في تستره مع قضايا الاعتداء الجنسي على رجال الدين، لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات شخصية أو محددة، فيما انتقد دعاة الإصلاح وجماعات دعم الضحايا ما اعتبروه استجابة وقتية لتهدئة الوضع.

وقالت جماعة "نحن الكنيسة" المؤيدة للإصلاح إن رد "بنديكت" على تقرير الإساءة ألحق ضررًا جسيمًا بسمعته وكان ينتقده بشكل عام باعتباره "رجعيًا عنيدًا".

الكاردينال جوزيف راتزينجر

البابا البافاري

بصفته البابا، قام بنديكت، الذي غادر وطنه إلى الفاتيكان في عام 1982، بثلاث زيارات إلى ألمانيا، بما في ذلك رحلة إلى بافاريا مسقط رأسه في عام 2006 ورحلة في عام 2011 أصبح فيها أول بابا يلقي كلمة أمام البرلمان الألماني، وكانت رحلته الوحيدة المعروفة خارج إيطاليا منذ تقاعده في ألمانيا، حيث عاد إلى بافاريا لبضعة أيام في يونيو 2020 لرؤية شقيقه الأكبر، القس جورج راتزينجر ، قبل وقت قصير من وفاة الأخير.

وصف حاكم بافاريا، ماركوس سويدير، البابا الراحل أنه "كان يحمل وطنه دائمًا في قلبه"، وأن الكثيرين هناك "سيتذكرونه بامتنان ليس فقط باعتباره البابا بنديكتوس السادس عشر، ولكن أيضًا كقس متواضع"، وأضاف سويدير: "لقد أعطى الكثير من الناس القوة والتوجيه، ولكن في الوقت نفسه، كان عليه أيضًا تحمل المسؤولية عن المراحل الصعبة في عمله".