لم يتبق على الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوى بضعة أسابيع، وهناك كتلة تصويتية أساسية تحظى بقدر كبير من الاهتمام من قبل الحزبين المتنافسين، هي الناخبون الشباب. ولكن المشاكل الاقتصادية من التضخم إلى الإسكان، قد تدفع هؤلاء الشباب إلى صناديق الاقتراع، وفق ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تقرير لها.
واستهل التقرير بالإشارة إلى إيزابيلا موريس، الأم البالغة من العمر 21 عامًا من روزنبرج بولاية تكساس، التي ستدلي بصوتها للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، وتستمع باهتمام إلى ما يقوله المرشحين الرئيسيين الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، وغريمها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، وستدفعها المخاوف الاقتصادية بشأن مستقبلها إلى التصويت في نوفمبر.
لكن إيزابيلا لا تزال غير متأكدة من المرشح الذي ستدعمه، وقالت لـ"بي بي سي": "مع اقتراب موعد الانتخابات، لا يمكننا أن نتصور أن أي مرشح لا يعالج الأزمة الاقتصادية في الوقت الحالي".
وإيزابيلا هي واحدة من 8 ملايين شاب سيصوتون في الانتخابات الرئاسية لأول مرة. ويشكل الناخبون الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا نحو ثلث الناخبين في الولايات المتحدة، ويتنافس عليهم كلا الحزبين، وتظهر استطلاعات الرأي أن الاقتصاد هو الأولوية القصوى لهم في موسم الانتخابات هذا.
ويصنف الناخبون الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عامًا، النمو الاقتصادي وعدم المساواة في الدخل والفقر باعتبارها المشاكل الأكثر أهمية التي تواجه البلاد، وفقًا لمسح أجرته جامعة شيكاغو ونشر في سبتمبر.
ويأتي ذلك على النقيض من انتخابات عام 2020، عندما تفوقت قضايا كوفيد-19 والعنصرية والرعاية الصحية على الاقتصاد باعتبارها القضية الرئيسية التي تدفع الناخبين الشباب إلى صناديق الاقتراع، وفقًا لنفس الاستطلاع.
وتعكس مخاوف إيزابيلا التحديات الأوسع التي يواجهها الناخبون الشباب، الذين يدخلون عالمًا من الإيجارات المرتفعة والمنازل غير الميسورة التكلفة وتباطؤ خلق فرص العمل، ناهيك عن ارتفاع الأسعار، وفقًا لما تقوله الاقتصادية كايلا سكانلون على تطبيق "تيك توك".
وفي الشهر الماضي، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، وهو القرار الذي قد يؤدي إلى خفض تكاليف الاقتراض على الرهن العقاري وبطاقات الائتمان ومعدلات الادخار لملايين الناس. ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان التغيير في أسعار الفائدة سيغير من نظرة الناس إلى الاقتصاد.
وقالت سكانلون (27 عامًا) لـ"بي بي سي": "لقد تدهور الوضع العام"، مشيرة إلى أن الشباب اليوم يعيشون وضعًا أسوأ من الأجيال السابقة، حتى جيل الألفية الذي دخل سوق العمل بعد الأزمة المالية في عام 2008.
ووجدت وكالة "ترانس يونيون" الائتمانية أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و24 عامًا يحملون ديونًا من جميع الأنواع، بطاقات الائتمان وقروض السيارات والرهن العقاري، أكثر من جيل الألفية في نفس العمر، وترتفع ديونهم بشكل أسرع من دخولهم.
وقالت آبي كييزا، نائبة مدير مركز المعلومات والأبحاث حول التعلم والمشاركة المدنية (سيركل)، لـ"بي بي سي"، إنها تتوقع مشاركة حوالي نصف الناخبين الشباب في هذه الانتخابات، وهي نسبة مماثلة لعام 2020، الذي شهد أعلى نسبة مشاركة منذ عقود وزيادة بنسبة 11% مقارنة بالانتخابات الرئاسية في عام 2016.
في الوقت نفسه، شهدت الانتخابات النصفية لعام 2018 مشاركة قياسية بين الناخبين الشباب، وفقًا لمؤسسة سيركل، ولكن هذا لا يزال أقل بكثير من نسبة المشاركة بين الفئات العمرية الأخرى.
في عام 2020، صوت 69% من الأمريكيين المؤهلين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و64 عامًا، بينما ذهب 74% من الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا إلى صناديق الاقتراع، وفقًا لتعداد الولايات المتحدة.
ولكن في انتخابات من المتوقع أن يفوز بها المرشحون بفارق ضئيل، فإن القدرة على حشد نسبة كبيرة من الناخبين الجدد قد تساعد في منح المرشح الدفعة التي يحتاجها للفوز، وفق "بي بي سي".
وقالت كييزا إن التركيز على معالجة الصعوبات الاقتصادية سيكون أمرًا أساسيًا إذا كان الساسة يأملون في تعزيز المشاركة بين أفراد الجيل "زد" الذين يشعرون بالانفصال عن السياسة.
وأضافت: "خلال الانتخابات الثلاث الماضية، كان الإقبال بين الناخبين الشباب تاريخيًا. نحن بحاجة إلى مرشحين يفهمون الشباب ويتفاعلون معهم ويتحدثون إليهم. هذا ما يجب أن يتغير".
وقد عمل المرشحان الرئاسيان -ترامب وهاريس- على تعزيز رسالتهما الاقتصادية في الأسابيع الأخيرة وتكثيف الجهود لجذب الناخبين الشباب.
وتوسعت هاريس في المبادرات الاقتصادية لإدارة بايدن فيما يتصل بإعفاء قروض الطلاب، وخفض الأسعار، والقدرة على تحمل تكاليف الإسكان. واقترحت إعانة قدرها 25 ألف دولار للمشترين لأول مرة من المنازل، وخصم ضريبي قدره 6 آلاف دولار للأسر التي لديها أطفال حديثو الولادة.
وقد ضاعفت حملت هاريس عدد موظفيها من الشباب المنظمين، واستثمرت بكثافة في الإعلانات الرقمية. كما حظيت بتأييد من مشاهير بارزين بما في ذلك تايلور سويفت وبيلي إيليش. كما أمضت هاريس العام الماضي في جولة في الحرم الجامعي بالولايات الرئيسية.
في الوقت نفسه، سعى ترامب إلى الاستفادة من السخط الاقتصادي بين الشباب، حيث هاجم السجل الاقتصادي لهاريس وبايدن، وسلط الضوء على انخفاض أسعار السلع في ظل إدارته.
ووعد كل من ترامب وهاريس بإلغاء ضريبة الإكراميات، وهي خطوة تستهدف قطاع الخدمات، الذي يوظف الملايين من الشباب، والتزمًا بإنهاء الحواجز التنظيمية أمام العملات المشفرة.
كما حاول الرئيس السابق الوصول إلى الناخبين الأصغر سنًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست والشراكات مع المؤثرين. فقد نشر مقاطع فيديو على "تيك توك" مع مؤثرين مثل لوجان بول وأدين روس.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن ترامب حقق تقدمًا بين الناخبين الشباب أثناء ترشحه ضد بايدن، الذي يبلغ من العمر 81 عامًا. وعندما كان بايدن لا يزال في السباق، كان يتقدم على ترامب ببضع نقاط مئوية فقط، وأظهر استطلاع "جين فوروارد" أن الشباب يعتقدون أن ترامب تعامل مع الاقتصاد بشكل أفضل من إدارة بايدن.
لكن الزخم تحول مرة أخرى إلى هاريس الأصغر سنًا بكثير، وهي الآن تتقدم بفارق 31 نقطة على ترامب بين الناخبين المحتملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، وفقًا لاستطلاع معهد "هارفارد" للسياسة الذي نُشر في أواخر سبتمبر.