تتجلى عظمة المرأة المصرية في كل صفحات التاريخ، فهي ليست فقط أمًا ومربية، بل شريكة أساسية في بناء الوطن ودفاعه، فعبر العصور أثبتت أنها قادرة على الصمود والتضحية في أوقات الأزمات، وكانت لها بصمات واضحة في كل حرب خاضتها بلادها، بدءًا من الحروب القديمة وصولًا إلى معركة أكتوبر المجيدة التي يتزامن اليوم مرور 51 عامًا على خوضها.
في حرب أكتوبر 1973، تجلت أروع صور الشجاعة والتفاني للمرأة المصرية، إذ لعبت دورًا محوريًا لا يمكن تجاهله، فمن مقاتِلات في صفوف الجيش إلى مسانِدات في المؤخرات، لتثبت قدرتها على التحدي والمواجهة.
وشاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر 1973 من خلال مقار التنظيم النسائي والجمعيات النسائية الأهلية في خدمة أسر الشهداء والجرحى، وفي بثّ الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم وفي تدعيم الجبهة الداخلية، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
المرأة والعمل التطوعي في أكتوبر
قبل الشروع في التطوع، كان للمرأة دور فعال لإيصال الصورة الحقيقية للعالم، إذ تكونت (لجنة صديقات القلم) لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الاتحادات والمنظمات النسائية في العالم؛ لإعلام المرأة في العالم بحقيقة ما يدور في الشرق الأوسط.
وفي أثناء حرب أكتوبر، كان للمرأة المصرية دور كبير في العمل التطوعي، فأصبحت على أعلى مستوي في الجبهة الداخلية، إذ عملت بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر ووقفت بجانب الجنود المصابين والمعاقين، تساندهم وتضمد جراحهم بالإضافة إلى أنّ المرأة وضعت نفسها في موقع القيادة، ففي هذا الوقت أقدمت زوجات المسؤولين والوزراء والضباط على جمع التبرعات وشراء ملابس وبطاطين وكل احتياجات الأسرة وتوزيعها على الأسر التي فقدت العائل بالاستشهاد في الحرب أو الإصابة.
لم يقف دورهن عند هذا الحد، بل إن العاملات في العمل التطوعي تبرعن بجزء من أجرهن الشهري للمجهود الحربي.
وتخلت المرأة المصرية عن قيودها الاجتماعية، وارتدت زي الحرب بكل فخر، لتكون مثالًا يُحتَذى به في الوطنية والكرامة، وتجلى هذا المشهد في المرأة البدوية، فكان لها أثر فعال في حرب أكتوبر، فهي التي تصدّت لعمليات إنقاذ الفدائيين وعلاجهم ومساعدتهم في الوصول الي الأراضي المصرية، عبر طرق لا يعرفها العدو، رغم أن تلك المرأة لم تتعلم ولم تتدرب ولكن بفطرة الانتماء وحب الوطن دافعت عن أرضها في مواجهة العدو.
وعلى مدار 12 عامًا من الاحتلال لم يستطع العدو الاسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء أو تجنيد أحد أبنائها، إذ كانت المرأة المصرية تقف بالمرصاد حينما زرعت في نفوس أطفالها حب الوطن.
وكحال نساء سيناء، ظهرت سيدات مدن القناة اللاتي لم يقل شأنهن في الحرب عن الجندي في المعركة الذي كان سلاحه لا يفارق يده، ولكن اختلفت أسلحة النساء في المقاومة ضد الاحتلال عن الرجال فكانت أسلحتهم الأواني (الحلل والهون) والحجارة والجاز والمياه الساخنة والزيت المغلي وحتى "المولوتوف" من أعلى المنازل.
في حرب أكتوبر، كانت المصريات خلف جيش بلادهن؛ يعملن على بثّ الحماس من خلال الجمعيات الأهلية التي تقودها نماذج نسائية مصرية تذهب إلى أهالي الجنود وتقدم لهم الإعانة وتحثّهم على رفع روح المعنوية لديهم.
الدعم النفسي واحد من البطولات التي خاضتها السيدات المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، إذ قدمت الممرضات علاجًا نفسيًا للمرضى وعائلاتهم، ما ساهم في تعزيز الأمل والمرونة النفسية والحالة المعنوية، وكانت الراحلة جيهان السادات، زوجة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات خير مثال على ذلك.
وحرصت جيهان السادات على المشاركة في رفع الروح المعنوية للجيش، فكانت تجري زيارات ميدانية، وخرجت على صفحات الجرائد اليومية والإذاعة والتلفزيون قائلة: "نحن اليوم في حرب، وهذه الحرب تحتاج إلى كل شيء، فلا شيء يستهان به مهما كان صغيرًا، نحن في حاجة إلى أن تكون القلوب قلبًا واحدًا، وأن تكون التضحية شعار الجميع، رجالًا ونساءً وشبابًا وأطفالًا، من أجل مصر.. أمنا الغالية علينا".
وتابعت: "هذه المعركة ليست معركة الرجال وحدهم، ولا هي معركة العسكريين وحدهم، ولا هي معركة المتطوعين وحدهم.. إنها شرف لكل مواطن، إنها معركة كل أم تتمنى لابنها السلامة، وكل زوجة تريد لرجلها الكرامة، وكل أخت وكل ابنة طلبت من الله الحياة الكريمة.. ولا حياة بغير شرف ولا شرف بغير تضحية ولا تضحية بغير نفس راضية".
بطولات نسائية خلف الجبهة
في حرب أكتوبر 1973 أصبحت المرأة على استعداد كامل للكفاح المسلح، وشاركت نساء سيناء ومدن القناة في نقل الأسلحة والمعلومات لرجال المقاومة، على سبيل المثال المصرية فرحانة سلامة، فهي واحدة من أشهر المجاهدات في سيناء، ولُقِبَت بـ"شيخة المجاهدين في سيناء"، لدورها ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة ما بعد نكسة 1967 واحتلال سيناء وحتى تحريرها، لذلك منحها الرئيس الراحل أنور السادات وسام الشجاعة من الدرجة الأولى ونوط الجمهورية.
وعن دورها في الحرب، قررت أن تشارك في المعركة، بأنها تطوعت بمنظمة "سيناء العربية" التي أسسها جهاز المخابرات، وهناك تدربت علي حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل وتفجير الديناميت ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى رجال المنظمة، وكانت تنقل الرسائل والأوامر من قيادات الأمن في القاهرة إلى الضباط وقيادات سيناء في ذلك الوقت، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من تفتيش إلا أن هذا لم يجعلها تتراجع عن هذا الدور العظيم، والمشاركة في نصر أكتوبر.
نجحت "فرحانة" في نقل معلومات حول العدو الإسرائيلي، مثل نيته بناء مطار في قرية الجورة بالشيخ زويد، ونقلت صورًا ووثائق معسكرات بمنطقة ياميت وخريطة مطار الجورة.
وكان تفجير قطار للعدو في مدينة العريش المصرية يحمل معدات وبضائع لجيش الاحتلال بجانب بعض الجنود والأسلحة، أول عملية لـ"فرحانة"، إذ زرعت القنبلة قبل قدوم القطار لينفجر بالكامل، وأعقب ذلك عمليات أخرى طالت سيارات للجنود بصحراء سيناء.
لم تكن فرحانة سلامة وحدها بل المصرية سيدة فهمية كانت إحدى المحاربات الواقفات على الجبهة، إذ تعد أبرز السيدات السيناويات، وكانت أول امرأة يتم تجنيدها من المخابرات الحربية، لرصد المواقع الإسرائيلية على الضفة الغربية وخط بارليف، ومعرفة نوع السلاح وعدد القوات، لتخلد كرمز حتى يومنا هذا، وتصبح واحدة من السيدات الاتي صنعن تاريخ أوطانهن، ويكنّ جزءًا لا يتجزأ من ملحمة النضال المصري وتجسيد للروح الوطنية التي لا تنكسر.