موجات النزوح المأساوية تحت نيران الاحتلال، التي شهدها قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، 7 أكتوبر الماضي، تتكرر حاليًا في جنوب لبنان، إذ فر الآلاف من المنطقة، التي تتعرض لقصف إسرائيلي مكثف، منذ أول أمس الاثنين.
ويشن جيش الاحتلال الإسرائيلي أسوأ عدوان على جنوب لبنان، منذ ما يقرب من عقدين، وكان أمس الأول الاثنين، اليوم الأكثر دموية في لبنان منذ حرب 2006، إذ شن الاحتلال الإسرائيلي سلسلة مكثفة من الغارات الجوية عبر مساحات واسعة من لبنان، أسفرت عن استشهاد 558 شخصًا بينهم 50 طفلًا و94 امرأة، إضافة إلى 1835 جريحًا، وفق فراس الأبيض، وزير الصحة اللبناني.
وفر السكان من منازلهم يائسين للوصول إلى بر الأمان، بعد أن بدأت هواتفهم المحمولة تتلقى رسائل نصية من إسرائيل ومكالمات من أرقام مجهولة تحثهم على الإخلاء فورًا.
وأدت حركة النزوح الواسعة على العديد من الطرقات من الجنوب باتجاه بيروت، إلى حالة من الازدحام الخانق، كما شهدت محطات الوقود، الواقعة على الخط الساحلي الممتد من الجنوب باتجاه بيروت ازدحامًا كبيرًا.
وقال تمام سلام، وزير الخارجية اللبناني، أمس الثلاثاء، إن التقديرات تشير إلى نزوح نصف مليون شخص في لبنان، بعد يوم من الغارات الإسرائيلية التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 500 شخص في جميع أنحاء البلاد.
وحذّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمس الثلاثاء، من أن عدد النازحين في لبنان سيرتفع.
ووصف ماثيو سالتمارش، المتحدث باسم المفوضية، الوضع في البلاد بأنه "مثير للقلق للغاية" و"فوضوي للغاية".
وأضاف ماثيو: "حتى قبل التصعيد الأخير، نزح أكثر من 100 ألف شخص من المناطق الجنوبية في لبنان، وتدخلت المفوضية لدعمهم، وكان ذلك قبل أكثر من شهر".
وقال أحمد سنجاب، مراسل "القاهرة الإخبارية"، إن هناك أعدادًا كبيرة نزحت من الجنوب اللبناني، مشيرًا إلى أن الإحصاءات الأولية أفادت بأن هناك 30 ألف مواطن نزحوا خلال الساعات الأخيرة من جنوب لبنان، نتيجة للهجمات الشرسة التي يشنها جيش الاحتلال على تلك المنطقة.
وأشار إلى أنه تم فتح الكثير من المدارس لتكون ملاجئ للنازحين، متابعًا أن عدد هذه المدارس يقدر بـ150 مدرسة تتواجد في مناطق متفرقة يتركز معظمها في العاصمة اللبنانية بيروت وجبل لبنان.
وتابع: "مدارس محافظة بيروت وحدها استقبلت نحو 10 آلاف نازح، نتيجة لتعرض البلدات اللبنانية في الجنوب لهجمات عنيفة على مدار اليومين السابقين".
وأمرت السلطات اللبنانية، الاثنين، وتزامنًا مع موجة النزوح الواسعة، بفتح المدارس والمعاهد، لإيواء النازحين من جنوب البلاد، فيما أعلن عباس الحلبي، وزير التربية اللبناني، إيقاف العمل في مدارس الجنوب لمدة يومين، تزامنًا مع نزوح آلاف اللبنانيين، وفي وقت لاحق جرى إعلان تعليق الدراسة الجامعية في كل أنحاء البلاد.
وفي ظل موجة النزوح الجماعي التي اجتاحت جنوب لبنان، واجهت العديد من العائلات صعوبة في العثور على مأوى، ما اضطر بعضها لافتراش الأرصفة.
وفي جانب من جوانب أزمة النزوح، تلقي الأوضاع المتوترة في لبنان حاليًا، بظلال من الشكوك حول مستقبل التلاميذ والطلاب في البلاد، وفي الوقت الذي فُتحت فيه المدارس والمعاهد، لإيواء النازحين في صور وصيدا وغيرها من المناطق المجاورة، لا يعرف أهالي الطلاب والتلاميذ النازحون من الجنوب، إلى أين سيمضي أبناؤهم في مسيرتهم التعليمية، وهل سيلتحقون بمدارس آمنة نسبيًا في مناطق النزوح، أم سيلتحقون بعملية للتعليم عن بعد.
ويشير بعض المراقبين، إلى أن هذه الموجة الواسعة من النزوح في لبنان، تطرح تساؤلات قوية، بشأن سعي الاحتلال لخلق ما يسمونه بمعادلة التهجير المتبادل، على جانبي الحدود بين المستوطنات الشمالية ولبنان، وما إذا كان ذلك يمهد لموقف إسرائيلي يسعى لإعادة النازحين في المستوطنات الشمالية، مقابل إعادة النازحين اللبنانيين إلى مناطق الجنوب اللبناني.
وكان القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، منذ 8 أكتوبر الماضي، أدى إلى إجلاء 60 ألفًا من سكان المستوطنات الشمالية.