يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي أسوأ عدوان على جنوب لبنان، منذ ما يقرب من عقدين، مستندًا لأكذوبة "التصعيد من أجل السلام"، التي يروج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتبرير تمسكه بمواصلة الحرب، ونسف جهود وقف إطلاق النار في غزة واستعادة المحتجزين.
أمس الاثنين، اليوم الأكثر دموية في لبنان منذ حرب 2006، حيث شن الاحتلال الإسرائيلي سلسلة مكثفة من الغارات الجوية عبر مساحات واسعة من لبنان، أسفرت عن استشهاد 492 شخصًا على الأقل، بينهم عشرات الأطفال، وإصابة أكثر من 1600 آخرين، بحسب السلطات اللبنانية، فيما فر السكان من منازلهم يائسين للوصول إلى بر الأمان، بعد أن بدأت هواتفهم المحمولة تتلقى رسائل نصية من إسرائيل ومكالمات من أرقام مجهولة تحثهم على الإخلاء على الفور.
ويقترب عدد الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية، أمس، من نصف عدد اللبنانيين الذين استشهدوا خلال الحرب التي استمرت 34 يومًا بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن جيش الاحتلال ضرب 1600 موقع لحزب الله في أنحاء لبنان، أمس، ولم يستبعد إمكانية القيام بغزو بري.
وذكرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، أن إسرائيل، على مدار الأسبوع الماضي، قررت بوضوح تصعيد هجماتها على حزب الله في لبنان، مدعية أنها تسعى إلى "التصعيد لخفض التصعيد" - لإرغام خصمها على التوصل إلى حل دبلوماسي.
وقالت الشبكة إن الدولة العبرية صممت تلك العبارة المحفوفة بالمخاطر، لخداع حليفتهم المحبطة الولايات المتحدة، وإقناعها بأن الحل الدبلوماسي، الذي أنفقت فيه واشنطن الآن قدرًا محرجًا تقريبًا من الطاقة، لا يزال أيضًا هدف إسرائيل.
وأوضحت الشبكة أن اندلاع حرب برية شاملة بين جيش إسرائيلي منهك ومنقسم، وحزب الله الغاضب المتمرس داخل جنوب لبنان، من المرجح أن يكون كارثيًا بالنسبة للاحتلال، وهذا هو بالضبط ما تجيده الجماعة اللبنانية وتنتظره.
ولفتت "سي. إن. إن" إلى أن إسرائيل وجهت ضربات موجعة لحزب الله خلال الأسبوع الماضي، من خلال تفجيرات "البيجر" و"الوكي توكي"، والهجوم الصاروخي على قادة الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وحسب الشبكة، كان من المفترض أن الأمل الإسرائيلي هو أن يشعر حزب الله بأضرار بالغة، ويخشى بشدة المزيد من الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين في لبنان، فيوافق على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، والخضوع لمطالب خصمه بطريقة تسمح للمدنيين الإسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات الشمالية.
وربما قدر الإسرائيليون أن زعيم حزب الله حسن نصر الله لابد أن يتراجع في نهاية المطاف، بعد أن تبين أن جماعته أصبحت ضعيفة بعد أن خسرت العديد من المقاتلين ذوي الخبرة.
وطرحت الشبكة سيناريو آخر، هو أن الإسرائيليين كانوا يعتقدون ضمن حساباتهم أن يصبح نصر الله محاصرًا حقًا، وسوف يضطر إلى شن هجوم صاروخي متواصل على البلدات الإسرائيلية، وهذا من شأنه أن يترك لنتنياهو -إذا ما اندلعت حرب أكبر نطاقًا- مبررًا غير مقنع هو أن الجماعة اللبنانية هي من بدأت الحرب.
وفي إطار السيناريو الأخير، من الواضح أن إسرائيل لن تتوقف عن العدوان على جنوب لبنان، لتأجيج العداء من سكان الجنوب تجاه الضرر والفوضى التي جلبها حزب الله إلى لبنان، ولقد أظهرت إسرائيل في غزة تجاهلها للأضرار الجانبية التي قد تلحق بالمدنيين.
وتشير" سي. إن. إن" إلى أن نتنياهو الذي يبدو أنه ركز على الحلول العسكرية وحدها على مدى العام الماضي، لأسباب تتعلق بمصالحه السياسية الشخصية، يعتقد أنه قادر على قصف حزب الله حتى يفقد أهميته. وربما تتمكن إسرائيل من إلحاق قدر هائل من الضرر بحزب الله إلى الحد الذي قد يؤدي إلى تغيير نوعي في قدراته، لكن الحروب لا تتوقف عند هذا الحد، وإن حزب الله سوف يعيد بناء نفسه.
وخلصت الشبكة إلى أن الأمر قد لا يكون ذا أهمية كبيرة بالنسبة لحكومة حرب نتنياهو، إذا اختار حزب الله الانسحاب أو تم قصفه، مشيرة إلى أن العنف لديه عادة تكرار أفعال مرتكبيه في العقود المقبلة، بطرق غير متوقعة وأكثر وحشية في كثير من الأحيان.