شاء القدر أن يتماهي رحيل الممثلة المصرية ناهد رشدي مع الكثير من الأدوار الدرامية شديدة التميز التي قدمتها طوال مشوارها الفني الممتد لأكثر من نصف قرن، إذ توفيت اليوم السبت عن عمر ناهز 67 عامًا بعد صراع مع المرض.
الممثلة التي تميزت بتجسيد الأدوار التراجيدية على مدار مختلف مراحلها العمرية، رحلت عن عالمنا في مشهد مؤثر أيضًا إذ توفيت بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان، وكانت تقاتل في سنوات حياتها الأخيرة للتغلب عليه، حتى أنها كانت تتجاهله وتتعامل معه على أنه مثل أي مرض أخرى مزمن يصاب به الإنسان.
احتمت الممثلة الراحل بهوايتها وحب التمثيل واعتبرت نزولها إلى مواقع التصوير والمشاركة في أعمال فنية جزءًا من التعافي، حسبما قالت في لقاءات تلفزيونية عدة، وحاولت أن تتعامل ببساطة مع مرضها.
كانت ناهد رشدي ترفض أن تنطق باسم المرض، بل أخفت الأمر كثيرًا عن وسائل الإعلام، وعندما خرجت للتحدث عنه قالت إنها تتعامل معه مثل أي مرض آخر، واتبعت نصيحة الأطباء بأن تذهب إلى عملها وتعيش حياتها بشكل طبيعي.
رحيل ناهد رشدي أيضًا تزامن مع الاحتفال بعيد ميلادها، لتغادر عالمنا في نفس اليوم الذي ولدت به، في مفارقة قدرية تكررت مع عدد من المشاهير منهم نوال أبو الفتوح، إبراهيم يسرى، الفنان والمذيع عمرو سمير.
الفنانة المعروفة لدى المقربين منها بخفة ظلها لم تقدم طيلة مشوارها الفني أي دور كوميدي، بل تخصصت في أدوار التراجيديا، متبعة نفس خطى المثل الأعلى لها في التمثيل وهما أمينة رزق وزوز نبيل، رغم أن الأخيرتين قدمتا على استحياء أدوارًا كوميدية، إلا أن القدر لم يشأ أن تذهب ناهد رشدي إلى هذه النوعية من الأدوار.
خفة ظل الممثلة الراحلة لفتت انتباه المخرج سمير العصفوري عندما جمعهما لقاء بالصدفة خارج مصر، وبعد عودتهما فوجئت باتصال منه لتشارك في مسرحية "الزوبعة" عام 1986، وظنت أنه دور كوميدي، لكنها فوجئت بأن دور ملئ بالتراجيديا، وحول ذلك قالت في تصريحات تلفزيونية: كنت أتمنى أن أقدم دورًا كوميديًا خصوصا على المسرح، لكن رغم ذلك أحببت المسرحية للغاية، وكان دوري مليئًا بالبكاء والدراما.
تعاملت ناهد رشدي مع التمثيل بمبدأ الهاوية، إذ أحبته منذ صغرها، ووقفت للمرة الأولى على خشبة المسرح في عمر الـ 8 سنوات، وسط دعم من عائلتها التي لاحظت عليها تميزها في موهبة الأداء، التي أصقلتها بالدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرجت فيه عام 1982.
في أثناء فترة الدراسة لفتت انتباه العديد من المخرجين الذين استعانوا بها في أدوار بسيطة بأعمال منها "صرخة بريء" إخراج نور الدمرداش الذي عرض عام 1979، وكررت التعامل مع المخرج نفسه في مسلسل "لا يا ابنتي العزيزة"، ثم شاركت في فيلم "علاقة خطرة" بطولة محمود ياسين وآثار الحكيم، وغيرها من الأعمال الفنية.
استمرت ناهد رشدي في تجسيد أدوار بسيطة بأعمال مختلفة، أبرزها دور "نوال" في مسلسل "البشاير"، لكن بدأت تلفت الأنظار إليها مع عقد التسعينيات، بدور "مديحة" في مسلسل "أرابيسك" بطولة صلاح السعدني، قبل أن تضرب موعدًا مع قلوب الجمهور بدور "سنية" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" عام 1996 بطولة نور الشريف وعبلة كامل ومحمد رياض، وحقق العمل نجاحًا غير عادي.
الممثلة التي لم تكن تضع النجومية ضمن أهدافها، وتبحث فقط عن إشباع موهبتها، وجدت نفسها فجأة في بؤرة الضوء، وأصبح المعجبون ينادونها باسمها في المسلسل "سنية"، لتشارك بعده في عدد من الأعمال الدرامية الناجحة ومنها الجزء الأول والثاني لمسلسل "هوانم جاردن سيتي"، لكنها لم تصعد إلى أدوار الصف الأول مكتفية بحب الجمهور وأيضًا الاعتناء بأسرتها وحياتها العائلية التي اختارت أن تنحاز لها وتعطيها الكثير من وقتها، حتى أنها اضطرت إلى الابتعاد نحو 8 سنوات، الأمر الذي لخصته بقولها "الحياة العائلية والحفاظ على الأسرة أهم".
غياب ناهد رشدي هذه السنوات عن الدراما التلفزيونية، جعلها تشعر بغربة عند عودتها بدور "سميحة" في مسلسل "بدون ذكر أسماء" عام 2013، حيث وجدت في موقع التصوير أسلوب عمل مختلف وكاميرات ديجيتال وتقنيات حديثة ومخرجين جدد، وبعد أن ذهبت الرهبة اندمجت من جديد مع هوايتها المفضلة، لتضرب موعدًا جديدًا مع النجاح.
أدوار الممثلة الراحلة متشابهة إلى حد ما، لا تحمل التنوع بين التراجيدي والكوميدي، لكن أداءها كل شخصية كان مختلفًا، واكتسبت مع مر السنوات خبرات خاصة في الأداء ظهرت في أعمالها الفنية الأخيرة ومنها مسلسل "سفاح الجيزة"، "الاختيار"، و"أبو جبل".
ورغم تعدد أعمال الممثلة الراحلة، يبقى دور "سنية" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" أحد أبرز الشخصيات التي جسدتها في مشوارها الفني، ومن المفارقات القدرية أن أحد مشاهد المسلسل المعروف بـ "فرح سنية" والمنتشر بشدة على مواقع التواصل الاجتماعي، كان بمثابة تعويض أو جبر خاطر للنجمة التي لم يتصدر اسمها الملصقات الدعائية للأعمال الفنية ولم تأت لها فرصة التعبير عن طاقتها الكوميدية.