كشف قادة وضباط في الجيش الأوكراني أن الفرار والعصيان أصبحا مشكلة واسعة النطاق في الجيش الأوكراني، خاصة بين المجندين حديثًا، وفق ما نقلت عنهم شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية.
وقال قائد وحدة يقاتل حاليًا في بوكروفسك، والذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لا يغادر جميع الجنود مواقعهم، لكن الأغلبية تفعل ذلك.. عندما يأتي جنود جدد إلى هنا، يدركون مدى صعوبة الأمر.. يرون الكثير من الطائرات بدون طيار والمدفعية وقذائف الهاون المعادية".
وأضاف: "إنهم يذهبون إلى المواقع مرة واحدة، وإذا نجوا فإنهم لا يعودون أبدًا.. إما أن يتركوا مواقعهم وإما يرفضون خوض المعركة، أو يحاولون إيجاد طريقة لمغادرة الجيش".
وعلى النقيض من أولئك الذين تطوعوا في وقت سابق من الحرب، لم يكن أمام العديد من المجندين الجدد خيار في خوض الصراع، إذ تم استدعاؤهم بعد أن دخل قانون التعبئة الجديد في أوكرانيا حيز التنفيذ في الربيع، ولا يمكنهم المغادرة بشكل قانوني إلا بعد أن تطبق الحكومة قانون التسريح، ما لم يحصلوا على إذن خاص للقيام بذلك.
ولكن مشكلات الانضباط بدأت بوضوح قبل ذلك بكثير، ومرت أوكرانيا بمرحلة صعبة للغاية خلال الشتاء والربيع الماضيين. إذ أدت أشهر من التأخير في إدخال المساعدات العسكرية الأمريكية إلى البلاد إلى نقص حاد في الذخيرة وتدهور كبير في الروح المعنوية، وفق "سي إن إن".
ونقلت الشبكة عن العديد من الجنود في ذلك الوقت، أنهم كانوا يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان في وضع جيد، إذ كانت لديهم رؤية واضحة للعدو القادم، ولم تكن هناك قذائف مدفعية يمكن إطلاقها. وتحدث البعض عن شعورهم بالذنب لعدم قدرتهم على توفير الغطاء الكافي لوحدات المشاة الخاصة بهم.
وقال أندري هوريتسكي، الضابط في الجيش الأوكراني الذي تقاتل وحدته الآن في تشاسيف يار، وهي نقطة ساخنة أخرى على الخط الأمامي الشرقي: "الأيام طويلة، وهم يعيشون في ملجأ، ويقومون بالواجب على مدار الساعة".
وشكا سيرهي تسيهوتسكي، الضابط في لواء المشاة الآلية المنفصل رقم 59، أن "الوحدة تحاول تبديل الجنود كل ثلاثة إلى أربعة أيام، لكن الطائرات بدون طيار، التي زاد عددها فقط على مدى الحرب، يمكن أن تجعل ذلك خطيرًا للغاية، مما يجبر الجنود على البقاء لفترة أطول.. الرقم القياسي هو 20 يومًا".
ومع تدهور الوضع في ساحة المعركة، بدأ عدد متزايد من القوات في الاستسلام، وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 فقط، بدأ المدعون العامون إجراءات جنائية ضد ما يقرب من 19 ألف جندي تركوا مواقعهم أو فروا من الخدمة، وفقًا للبرلمان الأوكراني.
يخدم أكثر من مليون أوكراني في قوات الدفاع والأمن في البلاد، على الرغم من أن هذا العدد يشمل الجميع، بما في ذلك الأشخاص الذين يعملون في مكاتب بعيدة عن خطوط المواجهة.
وقال العديد من القادة لـ"سي إن إن"، إن العديد من الضباط لن يبلغوا عن حالات الفرار والغياب غير المصرح به، على أمل إقناع القوات بالعودة طواعية، دون مواجهة أي عقوبة.
وأصبح هذا النهج شائعًا لدرجة أن أوكرانيا غيرت القانون لإلغاء تجريم الهروب والغياب بدون إذن، إذا حدثا لأول مرة.
وقال "هوريتسكي"، لـ"سي إن إن"، إن هذه الخطوة منطقية، وأضاف: "التهديدات لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأمور.. والقائد الذكي سوف يؤخر التهديدات، أو حتى يتجنبها".
وأصبحت "بوكروفسك" مركز الصراع على شرق أوكرانيا، وكانت القوات الروسية تتقدم ببطء نحو المدينة منذ أشهر، لكن تقدمها تسارع في الأسابيع الأخيرة مع بدء انهيار الدفاعات الأوكرانية.
وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريح سابق، أن هدفه هو السيطرة على كامل منطقتي دونيتسك ولوجانسك في أوكرانيا، وأن الاستيلاء على بوكروفسك، وهي مركز عسكري وإمدادي مهم، سيكون خطوة كبيرة نحو هذا الهدف.
تقع بوكروفسك على طريق رئيسي يربطها بمدن عسكرية أخرى في المنطقة وخط سكة حديد يربطها بمدينة دنيبرو، كما يقع آخر منجم رئيسي لفحم الكوك لا يزال تحت سيطرة كييف إلى الغرب مباشرة من المدينة، حيث يوفر فحم الكوك لصنع الفولاذ، وهو مورد لا غنى عنه في زمن الحرب.
ويرسم الجنود الأوكرانيون في المنطقة صورة قاتمة للوضع، فمن الواضح أن القوات الأوكرانية أقل عددا وتسليحا من القوات الروسية، إذ يقدر بعض القادة أن هناك 10 جنود روس مقابل كل أوكراني، وفق "سي إن إن".
وقال ضابط من لواء يقاتل في بوكروفسك، إن ضعف التواصل بين الوحدات المختلفة يشكل مشكلة كبيرة هناك، وأضاف أن هناك حالات لم يكشف فيها الجنود عن الصورة الكاملة لساحة المعركة لوحدات أخرى خوفًا من أن يجعلهم ذلك يبدون سيئين.
واعترف القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أوليكساندر سيرسكي، بأن انخفاض الروح المعنوية لا يزال يمثل مشكلة، وإن رفعها كان "جزءًا مهمًا للغاية" من وظيفته، وقال إن التوغل في كورسك الروسية أدي إلى تحسين الروح المعنوية بشكل كبير ليس فقط للجيش بل وللشعب الأوكراني بأكمله.
لكن يعترف الجنود أن الوضع في الشرق صعب، حيث لم يتلقوا تعزيزات كافية أبدًا، وخاض الجنود معارك على خطوط أمامية متعددة قبل إرسالهم إلى بوكروفسك دون أي راحة.