في خضم ازدهار الرياضات النسائية، حيث تتسلط الأضواء على البطولات والمنافسات، يبقى هناك تناقض صارخ بين التقدير العام المتزايد للاعبات المحترفات والواقع الاقتصادي القاسي الذي يواجهنه.
وبينما يزداد الاهتمام والاستثمار في دوريات الرياضات النسائية، فإن العديد من اللاعبات ما زلن يكافحن من أجل كسب عيش لائق يليق بمجهوداتهن وإنجازاتهن، وفق تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي.
تحديات رغم الاهتمام
على الرغم من أن الرياضات النسائية في الولايات المتحدة، وخاصة كرتي القدم والسلة، شهدت طفرة في الاستثمار والاهتمام الجماهيري، إلا أن العديد من اللاعبات لا يزلن يجدن صعوبة في تحقيق دخل يكفي لتلبية احتياجاتهن الأساسية.
وتعبّر براندي تشاستين، أسطورة كرة القدم والمالكة المشاركة لنادي "باي إف سي" الأمريكي، عن هذا الوضع بقولها: "لقد قطعنا شوطًا طويلًا، وما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه"، مؤكدة أن العديد من اللاعبات بحاجة إلى مصادر دخل إضافية بجانب رواتبهن.
مبادرات داعمة
في خطوة تهدف إلى دعم لاعبات فريق "باي إف سي"، أعلن الراعي الرسمي للفريق، شركة "فيزا"، عن برنامج جديد يُمكّن اللاعبات من كسب الحد الأقصى من رسوم الظهور المتاحة بموجب عقد الدوري.
هذه المبادرة، وفق "أكسيوس"، ستسمح للاعبات بتحقيق دخل إضافي من خلال الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يساعدهن في بناء علامتهن التجارية الشخصية.
إضافة إلى ذلك، أعلن الدوري الوطني لكرة القدم للسيدات واتحاد اللاعبات عن اتفاقية جماعية جديدة ستوفر رواتب أعلى وزيادة في حرية اختيار الفرق.
ومع ذلك، فإن هذه الزيادات ستدخل حيز التنفيذ بمرور الوقت، ما يجعل الأموال المُحصّلة من رسوم الظهور جزءًا أساسيًا من دخل اللاعبات في الوقت الحالي.
الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة
رغم أن الرواتب في الدوري الوطني الأمريكي لكرة القدم للسيدات بدأت في الارتفاع، إلا أنها لا تزال غير كافية لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة في بعض المناطق مثل منطقة خليج سان فرانسيسكو.
فعلى سبيل المثال، يبلغ راتب بعض اللاعبات غير النجمات نحو 37 ألف دولار فقط، وهو مبلغ لا يكفي للعيش في منطقة تتمتع بأعلى تكاليف السكن في البلاد.
وبموجب الصفقة الجديدة بين الدوري ولاعبيه، سيرتفع الحد الأدنى للأجور تدريجيًا إلى 48,500 دولار في عام 2025، ثم إلى 82,500 دولار بحلول عام 2030.
الاستثمار المتزايد في الرياضات النسائية
شهدت الرياضات النسائية في الولايات المتحدة، وخاصة كرة القدم، زيادة كبيرة في عدد المستثمرين والمهتمين. من أبرز الأمثلة على ذلك، صفقة بيع نادي "أنجل سيتي" في لوس أنجلوس، حيث تم بيع النادي بقيمة تقدر بـ250 مليون دولار، وهو رقم قياسي لفريق رياضي نسائي. كما ساهمت لاعبات مثل كيتلين كلارك في زيادة شعبية كرة السلة النسائية، مع ارتفاع في عدد المباريات التي بيعت جميع تذاكرها.
ورغم التقدم الذي تحقق، إلا أن المكاسب التي حصدتها الرياضة النسائية كانت غير متساوية، وأشارت إيميلي مينجز، مدافعة فريق "باي إف سي"، إلى أن صفقة "فيزا" تمنح الجميع في الفريق فرصة لكسب دخل إضافي واستخدام منصاتهن الشخصية، مؤكدة أن بعض الفرق تضم لاعبات بارزات يحصلن على أعلى الرواتب وصفقات الرعاية، بينما يتخلف الآخرون عن الركب.
خطوات نحو التغيير
تعمل شركة "فيزا" وفريق "باي إف سي" على تطوير برنامج منفصل يهدف إلى دعم ورعاية لاعبات كرة القدم المحترفات في المستقبل. كما تعتقد ماري آن رايلي، مديرة التسويق الرئيسية لشركة فيزا في أمريكا الشمالية، أن اتخاذ خطوات صغيرة مثل هذه يمكن أن يساعد في معالجة التحديات المنهجية التي تواجه اللاعبات.
وفي هذا السياق، يؤكد برادي ستيوارت، الرئيس التنفيذي لنادي "باي إف سي"، أن الهدف الرئيسي هو بناء نموذج جديد لكرة القدم النسائية يمكن أن يغيّر العالم.
يقول ستيوارت: "نحن نقضي الكثير من وقتنا في التفكير في كيفية تغيير العالم من خلال تغيير نموذج الأعمال لكرة القدم النسائية. وأعتقد حقًا أننا نستطيع تغيير العالم من خلال تغيير نموذج الأعمال لكرة القدم النسائية".
وفي ظل التقدم الذي تحقق والتحديات المستمرة، يبقى السؤال: هل ستتمكن الرياضات النسائية من تجاوز العقبات الاقتصادية وتحقيق العدالة المالية للاعبات المحترفات؟ فقط الزمن سيكشف الإجابة، لكن المؤكد أن هؤلاء اللاعبات لن يتوقفن عن المطالبة بحقوقهن العادلة في ظل الأضواء التي تسلط على إنجازاتهن المتزايدة.