في ولاية تكساس، حيث تلتقي التقاليد المحافظة مع التحولات الاجتماعية الحديثة، يقف حظر الإجهاض كواحد من أكثر القوانين إثارة للجدل، لقد مر ثلاث سنوات منذ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، لكن آثاره لا تزال تتردد عبر الولاية وخارجها، مجبرة النساء على مغادرة منازلهن بحثًا عن حقهن في الرعاية الصحية.
وفي خضم هذه المعركة القانونية والاجتماعية، تتزايد حدة الجدل السياسي، ما يعزّز أهمية هذه القضية في السباق الرئاسي القادم لعام 2024.
الرحيل القسري بحثًا عن الرعاية
ووفقًا تقرير لوقع "أكسيوس" الأمريكي، فمنذ دخول حظر الإجهاض في تكساس حيز التنفيذ، اضطرت عشرات الآلاف من النساء إلى مغادرة الولاية للبحث عن خدمات الإجهاض في أماكن أخرى، ويُعد هذا الرقم أكبر من أي ولاية أخرى بسبب الكثافة السكانية الكبيرة لتكساس والقيود الصارمة التي يفرضها القانون.
وتعتبر هذه الظاهرة انعكاسًا مباشرًا للتشريعات القاسية التي تبعت قرار "دوبس" التي أثرت بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى الإجهاض في جميع أنحاء البلاد.
التأثير على الرعاية الصحية وإغلاق العيادات
وأدت هذه التشريعات إلى إغلاق العيادات في جميع أنحاء تكساس أو انتقالها إلى ولايات أخرى، ووفقًا لمارك هيرون، المستشار البارز في مركز الحقوق الإنجابية، فإن العواقب المترتبة على الرعاية الصحية كانت "مأساوية ومدمرة"، فقد ارتفعت وفيات الرضع بنسبة 12.9% في تكساس، مقارنة بزيادة 1.8% في باقي أنحاء البلاد، بعد عام واحد من تنفيذ الحظر الصارم.
ورغم أن الحاكم الجمهوري للولاية، جريج أبوت، دافع عن الحظر زاعمًا أن "الآلاف من الأطفال حديثي الولادة" قد تم إنقاذهم، إلا أن هذا الادعاء لم يخفف من المخاوف المتزايدة حول تأثير هذا القانون على صحة المرأة والرضع.
تشديد القيود القانونية وتداعياتها
كان قانون الإجهاض في تكساس، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر 2021، أحد أشد التدابير الحكومية صرامة، حيث يحظر إجراء الإجهاض بعد اكتشاف نبضات قلب الجنين، أي بعد نحو خمسة أو ستة أسابيع من الحمل. وبعد مرور عام، تم تفعيل "القانون" الذي جعل الإجهاض جريمة جنائية، ما جعل الوصول إلى خدمات الإجهاض أكثر صعوبة.
وبحسب إسحاق مادو زيميت، عالم البيانات في معهد جوتماشر، فإن الوصول إلى خدمات الإجهاض التي يقدمها الأطباء أصبح شبه مستحيل، مما أجبر النساء على السفر إلى ولايات أخرى.
وقد فعل ذلك حوالي 35 ألف شخص من سكان تكساس العام الماضي وحده، وتشير التقديرات إلى أن 71% من حالات الإجهاض التي حدثت في نيو مكسيكو العام الماضي كانت لمرضى من خارج الولاية، معظمهم من تكساس.
الغموض القانوني والخوف بين الأطباء
وبموجب قانون ولاية تكساس، لا يجوز للطبيب المرخص له إجراء الإجهاض إلا في حال كانت حياة المرأة الحامل معرضة للخطر، أو إذا كان الحمل يشكل خطرًا جسيمًا على وظيفة جسدية رئيسية، ومع ذلك، فإن الغموض حول متى يُسمح بالاستثناءات القانونية قد أثار ارتباكًا وخوفًا بين الأطباء، الذين يمكن أن يواجهوا تهمًا جنائية من الدرجة الأولى إذا خالفوا القانون.
وعلى الرغم من رفض المحكمة العليا للولاية في مايو الماضي توضيح متى تبرر حالة طبية طارئة الإجهاض، إلا أن الإرشادات التي قدمتها هيئة تكساس الطبية في يونيو لم تكن كافية لتوفير الوضوح المطلوب للمرضى والأطباء.
النظرة المستقبلية والصراع السياسي
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024، أصبح الوصول إلى الرعاية الإنجابية قضية مركزية في الحملة الانتخابية، وتتصاعد الخلافات بين المرشحين حول هذه القضية، حيث تعتبرها المعارضة نقطة ضعف رئيسية للرئيس السابق دونالد ترامب.
في هذا السياق، برزت كيت كوكس، وهي امرأة من دالاس، كرمز للمعارضة ضد قوانين الإجهاض في تكساس، بعدما مُنعت من إجراء الإجهاض رغم اكتشاف اضطراب وراثي مميت لدى جنينها.
وقد أدى هذا الجدل إلى انقسام داخل الحزب الجمهوري نفسه، حيث انتقد ترامب مؤخرًا حظر الإجهاض لمدة ستة أسابيع في ولاية فلوريدا، واصفًا إياه بأنه "قصير للغاية".
ومن المتوقع أن يتم التصويت على حظر الإجهاض في فلوريدا وأريزونا في نوفمبر المقبل، بينما لا يبدو أن ولاية تكساس ستشهد تغييرات كبيرة في قوانينها دون تدخل من الهيئة التشريعية أولاً.
ويبقى حظر الإجهاض في تكساس قضية مشتعلة تعيد تشكيل المشهد السياسي في الولايات المتحدة، وبينما يستمر الجدل حول حقوق المرأة والرعاية الصحية، تظل الأنظار مركزة على كيفية تطور هذه القضية في الأشهر والسنوات المقبلة.