دار الحديث كثيرًا حول عدم المساواة، في توزيع اللقاحات، وخاصة بين الدول الغنية والفقيرة، وهو الخطر الذي ظهر جليًا أمام العالم، وبرز بشدة، مع أزمة فيروس كورونا، ومؤخرًا قالت منظمة الصحة العالمية، إنها ستعلق النظام الخاص بالتطعيم ضد الكوليرا، والمكون من جرعتين، وتحدثت عن الاكتفاء بجرعة واحدة، بسبب نقص اللقاحات وتزايد الإصابات حول العالم، ما يعيد مجددًا السؤال حول ما حدث في سوق اللقاحات عام 2022.
وأظهر تقرير للأمم المتحدة، صدر في يوليو الماضي، أن هناك تراجعًا حادًا في التطعيم الروتيني للأطفال خلال العامين الماضيين، مشيرة إلى أن جائحة كورونا تسببت في أكبر تراجع في وتيرة التطعيمات منذ ثلاثة عقود، حيث فوت نحو 25 مليون طفل اللقاحات المنقذة للحياة.
أزمة لقاحات الأطفال
وأوضح التقرير أن نحو 18 مليون طفل، من أصل 25 مليون طفل، لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاحات، ضد الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي، ومعظمهم يعيش في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وأشارت كل من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف إلى أن لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري، التي تم تحقيقها عام 2019، قد قل عددها بمقدار 25%، وقالت المنظمتان إن لهذا الأمر عواقب وخيمة على صحة النساء والفتيات
التوزيع غير المنصف للقاحات
ونشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا، أظهر أن التوزيع غير المنصف للقاحات لا يقتصر على لقاحات كورونا "كوفيد-19"، وأن البلدان الفقيرة تعاني للحصول على اللقاحات الأخرى التي يشتد عليها الطلب من البلدان الغنية، مشيرة إلى حدوث فجوات عالمية تتعلق بالإمدادات تؤثر على إنتاج اللقاحات وتوزيعها.
فجوات عالمية
وفي تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية، نوفمبر 2022، قالت إن هناك فجوات وتوزيع غير متكافئ للقاحات، فمثلا لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، المضاد لسرطان عنق الرحم لم يُطرح إلا في نسبة صغيرة من البلدان منخفضة الدخل، رغم أنها تستأثر بالجزء الأكبر من عبئه، مقابل 83% للبلدان مرتفعة الدخل.
وأوضح تقرير "الصحة العالمية"، أن هناك عقبة أخرى تعوق الحصول على اللقاحات، وهي التكلفة، وتابعت أن التفاوت في الأسعار يفرض على البلدان المتوسطة الدخل دفع أسعار تعادل ما تدفعه البلدان الثرية، بل يزيد عنها في بعض الأحيان.
حرمان أفقر الشعوب من اللقاحات
ونقل تقرير المنظمة، عن الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام للمنظمة، قوله إن التقرير يظهر أن ديناميات السوق الحرة، تحرم بعض أفقر وأضعف شعوب العالم من الحق في الحصول على اللقاحات، رغم كونها ضمن الحق في الصحة.
ودعت منظمة الصحة العالمية، إلى إحداث ما أسمته بتغييرات لازمة في سوق اللقاحات العالمية لإنقاذ الأرواح والوقاية من الأمراض، والتأهب لأزمات المستقبل، مشيرة إلى أنه في عام 2021 تم توريد قرابة 16 مليار جرعة من اللقاحات، بقيمة 141 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاث مرات حجم السوق في عام 2019 (5.8 مليارات) ونحو ثلاث مرات ونصف قيمة السوق في عام 2019 (38 مليار دولار)، وأشارت إلى أن لقاحات كوفيد-19 تقف بشكل رئيسي وراء هذه الزيادة، ما يُظهر الإمكانات الهائلة في مجال زيادة قدرات تصنيع اللقاحات لتلبية الاحتياجات الصحية.
4 شركات تسيطر على 70%
وأوضحت المنظمة، أنه رغم ازدياد قدرات التصنيع في مختلف أنحاء العالم، فإن 4 شركات تصنيع رئيسية تنتج نحو 70% من جرعات اللقاحات في العالم مع استثناء لقاح كوفيد-19.
وأشار التقرير، إلى أن العديد من اللقاحات العشرين الأكثر استخدامًا في العالم، وأبرزها اللقاح المضاد للمكورات الرئوية (PVC) ولقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) ولقاحات الحصبة والحصبة الألمانية، يعتمد على موردين اثنين رئيسيين في الوقت الراهن.
تركز التصنيع في بلدان بعينها
وتابع التقرير إلى أن تركز قاعدة التصنيع في بلدان بعينها، ينذر بعدة مخاطر، بينها نقص الإمدادات، إضافة إلى انعدام أمنها الإقليمي، موضحة أن عام 2021، شهد اعتماد إفريقيا، وإقليم شرق المتوسط، على مصنعين من أقاليم أخرى، لتزويدهما بنسبة 90% من مشتريات اللقاحات، وقالت المنظمة، إن احتكارات الملكية الفكرية ومحدودية نقل التكنولوجيا، تعد سببًا في إضعاف قدرة البلدان الفقيرة على بناء قدرات التصنيع المحلية والاستفادة منها.
وأوضح التقرير أن الوضع الحالي، ينذر بإلحاق أضرار وخيمة، خاصة فيما يتعلق باللقاحات اللازمة في حالات الطوارئ، مثل لقاحات الكوليرا والتيفود والجدري، وجدري القردة والإيبولا ومرض المكورات السحائية، إذ أن هذه اللقاحات يزداد الطلب عليها أثناء تفشي هذه الأمراض، مما يجعل من الصعب التنبؤ بحجم الطلب عليها، وبخاصة أن جائحة كورونا، أثبتت أنه يمكن تطوير اللقاحات وتوزيعها سريعًا، إذ تقلصت العملية التي كانت تستغرق 10 سنوات في المتوسط، إلى 11 شهرًا فقط.
خطة التصنيع 2030
وطالب التقرير، الحكومات، بتعزيز البحوث ومراكز التصنيع الإقليمية، والاتفاق مسبقاً على قواعد التعاون بين الحكومات في أوقات شحّ الإمدادات، وخاصة في مجالات توزيع اللقاحات والملكية الفكرية وتعميم المدخلات والسلع، ونص تقرير الصحة العالمية، على عدة توصيات تتعلق بالجهود البحثية بخصوص مسببات الأمراض، إضافة إلى ضمان الشفافية وتيسير نقل التكنولوجيا، والالتزام بتدابير قائمة على الإنصاف.
وأوضح التقرير أنه يجب على المنظمات الدولية أن تقوم بدعم خطة التصنيع لعام 2030، وهي استراتيجية عالمية تهدف إلى عدم إغفال أحد من التلقيح، وأن تقوم بدعم المبادرات التي تقودها البلدان، والحث على تطبيق قرارات تتعلق بشفافية السوق.