الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعزيز الدور.. لماذا دعا بوتين إلى قمة غير رسمية لزعماء رابطة الدول المستقلة؟

  • مشاركة :
post-title
صورة تذكارية لقادة الرابطة في 26 ديسمبر 2022-الرئاسة الروسية

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أظهر اليوم الثاني في القمة غير الرسمية لرابطة الدول المستقلة، 27 ديسمبر 2022، رغبة روسية بتجميع الحلفاء بشكل أوثق في مواجهة تحديات العام المقبل، على صعيد قضايا الأمن الغذائي والحرب الروسية الأوكرانية وتعويض أطر التعاون الاقتصادي مع الغرب، إلى مزيد من تركيز موسكو على الفضاء السوفييتي السابق، ليبقى السؤال، وهو: لماذا تعزز روسيا علاقتها برابطة الدول المستقلة؟

روابط اقتصادية وثقافية:

تأسست المنظمة في ديسمبر 1991، وضمت 11 دولة سوفيتية سابقة، هي روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمنستان وأوزباكستان وأرمينيا وأذربيجان ومولدوفا، وانضمت إليها جورجيا في 1993، قبل أن تنسحب في 2008، لتتبعها أوكرانيا ومولدوفا بعدم حضور الاجتماعات.

وعقدت فعاليات القمة غير الرسمية يومي 26 و27 ديسمبر الجاري، في سان بطرسبرج بين قادة 9 دول، هم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورؤساء بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكوا، وكازاخستان قاسم جومارت توكاييف، وقيرغيزستان سيدر جاباروف، وطاجيكستان إمام علي رحمن، وتركمنستان سردار محمدوف، وأوزبكستان شوكت ميرزايويف، وأذربيجان إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان.

وعلى الرغم من طابع القمة غير الرسمي، الذي يمثل تقليدًا روسيًا لتعزيز روابط الصداقة والتفاهم مع قادة الرابطة في متحف سان بطرسبرج، مع استقبال العام الجديد، وتركيز الرئيس بوتين على العلاقات التاريخية بين الدول الأعضاء واعتباره أن اللغة الروسية، هي صمام أمان الرابطة إذ توحد دولها، إلا أنها تناولت أبرز ملفات التعاون، وهي على النحو التالي:

(*) التعاون الاقتصادي: تهتم روسيا بقيادة دول الرابطة نحو التكامل في مجالات الاقتصاد والتجارة، وذكر الرئيس فلاديمير بوتين أن طموح قادة المنظمة أن يبلغ حجم التبادل التجاري 100 مليار دولار بنهاية العام، بعدما قفز بمستوى 6.6 في المئة في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2022، ليبلغ 81.5 مليار دولار. كان التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز التبادل التجاري بالعملات الوطنية على رأس الأولويات، بما يعزز الاعتماد المتبادل بين الدول الأعضاء واستبدال الواردات على نحو متدرج، ففي مركز ذلك التعاون يأتي الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا، وفي مستوى أعلى تتشاطر روسيا وبيلاروسيا تحالفًا استراتيجيًا هو الأقوى بين دول الرابطة، وتتطلع موسكو ومينسك لتعزيز التعاون في مجالات الفضاء والتقنيات الحديثة.

لقاء رئيسا روسيا وبيلاروسيا في متحف سان بطرسبرج، 27 ديسمبر 2022-الرئاسة الروسية

(*) الملفات الأمنية: تناولت القمة ولقاءات الزعماء على هامشها، التحديات الأمنية في المنطقة وحلحلة الخلافات القائمة بين الدول خلال لقاء الرئيس الروسي بكل من نظيره الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني باشينيان، الإثنين 26 ديسمبر 2022، حول تسوية النزاع بين باكو ويريفان. وكان من اللافت تأكيد بوتين أهمية التعاون بين الدول الأعضاء لتجاوز الخلافات القائمة فيما بينهم. وذكر الرئيس الكازاخي ورئيس الدورة المنتهية قاسم جومارت توكاييف، أن الرابطة تبنت أجندة التعاون الأمني الإقليمي في الفترة من 2023-2025، وتشمل مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. ومن الجدير بالذكر أن روسيا تُسهم بقدر كبير في الحفاظ على أمن الدول الأعضاء وتساعد في مواجهة الاضطرابات، من خلال منظمة الأمن الجماعي التي دعمت حكومة كازاخستان في مواجهة الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في يناير 2022.

(*) التعاون السياسي: ناقش الزعماء ضرورة امتلاك الرابطة دورًا مهمًا على الساحة الدولية لتعزيز المصالح المشتركة، فمن ناحية ستستفيد دول الرابطة من وزن وثقل روسيا، في مقابل تطلع الأخيرة لإظهار فعالية دورها ونفوذها الدولي، وحرص الرئيس الروسي على المشاركة في فعاليات قمة أكتوبر 2022، واستضافة القمة غير الرسمية في سان بطرسبرج، خلافًا لمساعي الغرب في إظهار عزلتها الدولية.

تحديات جادة:

تمثل القضايا الأمنية تحديًا رئيسيًا لتماسك الرابطة، في ظل المساس بمبدأ رئيسي قامت على أساسه المنظمة في ديسمبر 1991، وهو المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، وتتمثل أبرز تلك التحديات في التالي:

بوتين يتوسط قادة رابطة الدول المستقلة في لقاء غير رسمي 26 ديسمبر 2022

(&) انسحاب الدول الأعضاء: عززت العلاقات المُضطربة بين روسيا ودول الجوار من لجوء تلك الدول للانسحاب من الرابطة مثل جورجيا، التي انسحبت من الرابطة في 2008 إبان الحرب مع روسيا. ورغم رفض الرابطة، انسحبت أوكرانيا في 2018 عمليًا من كل اجتماعات الرابطة، وأعلنت خلال العام الجاري انسحابها تباعًا من اتفاقات التعاون الاقتصادي والإعفاءات الجمركية مع الدول الأعضاء نتيجة الحرب مع روسيا. وتميل مولدوفا للانسحاب من الرابطة، بعدما حصلت على وضعية الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي.

(&) الخلافات الحدودية: تعد الخلافات الحدودية أحد أبرز العوائق في طريق التكامل بين الدول الأعضاء ومهددًا رئيسيًا لسياسة موسكو في الحفاظ على تماسك التحالف، إذ تشتبك أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناجورنو قاراباخ، كما تجددت الاشتباكات بين طاجيكستان وقيرغيزستان منتصف سبتمبر 2022، ولم تُفضِ الجهود الروسية في تحويل وقع إطلاق النار إلى اتفاق سلام دائم بين الأطراف المتنازعة.

(&) التنافس الجيوسياسي: تحظى دول الرابطة بأهمية كبيرة على صعيد أمن الطاقة العالمي بالنظر لاحتياطاتها الواعدة من النفط والغاز، كما أنها تمثل حاضنة روسيا السوفيتية وآخر خطوطها الحمراء في مواجهة خصومها الغربيين، وفي ذلك الإطار تظهر قوى إقليمية ودولية اهتمامًا بالنفوذ إلى دول المنطقة في إطار قاري على غرار مقترح الجماعة السياسية الأوروبية التي دعى إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعقدت أول اجتماع لها في 6 أكتوبر 2022، ضمت كلًا من أرمينيا وأذربيجان ومولدوفا، قبل أيام من القمة الرسمية للرابطة في أستانا. كما تنخرط تركيا في التنافس على النفوذ بمنطقة آسيا الوسطى التي تعتبرها أنقرة امتدادًا عرقيًا وثقافيًا ولغويًا لها في ضوء منظمة الدول التركية، بجانب تدخل تركيا على خط الأزمة في قراباخ بإمداد أذربيجان بمسيرات مسلحة في ضوء مساعٍ للعب دور أمني في المنطقة. وتبرز طموحات الصين كتحدٍ ثالث نظرًا لاهتمامها بدول آسيا الوسطى وكازاخستان بصفة خاصة التي شهدت إعلان الرئيس الصيني شي جين بينج إعلان مبادرة الحزام والطريق في 2013.

تأسيسًا على ما سبق؛ يمكن القول إن بقاء روسيا قوية على الصعيدين الاقتصادي والأمني، هو الضامن الرئيسي لبقاء وتماسك الرابطة، وهو ما ستحرص موسكو عليه لتعزيز دورها في المنطقة وقطع الطريق أمام أي قوة تسعى للتمدد في حزامها السوفيتي، كما يضمن لها تأييد ودعم دول المنطقة في المنظمات الدولية.