الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سفينة كلوتيلدا.. آخر صرح شاهد على العبودية الأمريكية يتآكل

  • مشاركة :
post-title
صور لسفينة كلوتيلدا على جدران مدينة أفريكا تاون

القاهرة الإخبارية - مصطفى لبيب

باتت سفينة كلوتيلدا، آخر سفينة معروفة لنقل 110 من الأفارقة المستعبدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، متهالكة تمامًا ومكسورة وشبه متحللة؛ بسبب وجودها تحت الماء لما يقرب من 160 عامًا، بعد أن قام مالكها بحرقها وإغراقها خوًفا من القبض عليه وإعدامه.

تعود قصة سفينة كلوتيلدا، والتي تم اكتشاف حطامها في جزء قريب من نهر موبايل في عام 2018، إلى عام 1860 حيث كانت العبودية لا تزال قانونية في جنوب الولايات المتحدة، حيث وظف المدعو تيموثي ميهر الكابتن فوستر لإحضار العبيد، حيث توجه إلى مملكة داهومي، في غرب إفريقيا، واستطاع شراء 110 باستخدام 9000 دولار من الذهب.

المستعبدون العراة

وبعد تحقيق استمر لسنوات أعلن مجموعة عمل من علماء الآثار والمهندسين والمؤرخين، بحسب شبكة "سي بي إس نيوز"، أن سفينة كلوتيلدا، أصبحت "مكسورة" ومتحللة للغاية بحيث لا يمكن استخراجها من المياه العكرة على ساحل خليج ألاباما دون تقطيع أوصالها، وانقسمت إلى نصفين وتآكلت بشدة بسبب البكتيريا.

وخلال رحلة العودة قام الكابتن بحبس الأفارقة المستعبدين عراة في عنبر الشحن على متن سفينة كلوتيلدا، وبعد خمسة وأربعين يومًا، وصلت المجموعة المكونة من 110 رجال ونساء وأطفال وتم تسليمهم إلى ميهير وشقيقه وعدة أشخاص آخرين، ثم أحرق فوستر السفينة وأغرقها للتغطية على الجريمة.

ومنذ اكتشاف سفينة كلوتيلدا، تم إنفاق نحو 10 ملايين دولار من أموال المدينة والولاية والحكومة الفيدرالية والجمعيات الخيرية لإحياء ذكرى السفينة، حيث تحصلوا على صور لبقايا الهيكل المتفحمة التي تم استخراجها طوال التحقيق، ولم يكن من الواضح مدى قدرة السفينة على تحمل أكثر من 160 عامًا تحت الماء.

جانب من عمليات البحث عن سفينة كلوتيلدا
الأدلة المادية

وأشار تقرير العلماء المكون من 500 صفحة أن الأولوية كانت للحفاظ على الأدلة المادية، مشيرين إلى أنه لا يوجد موقع آخر في العالم يقدم مثل تلك الأدلة حول العبودية، وكان يأمل الجميع أن تكون سليمة بما يكفي لاستخراجها بالكامل وتحويلها إلى متحف على الأرض، ولكن العلماء أكدوا أن الطريقة الوحيدة لإحياء ذكراها هي تركها وحمايتها تحت الماء.

تم تحرير الناجين من سفينة كلوتيلدا بعد خمس سنوات من العبودية، عن طريق الحرب الأهلية، وأظهرت السجلات التاريخية بحسب الشبكة الأمريكية، أن 32 منهم يتزعمهم إفريقي يدعى كوسولا، اشتروا أرضًا عام 1868 من ميهر وأسسوا ما يُعرف الآن بأفريكا تاون، المعروفة رسميًا باسم بلاتو، على بعد حوالي ثلاثة أميال شمال موبايل.

أحفاد المستعبدين الأفارقة
المعاملة القاسية

وتعتبر سفينة كلوتيلدا بمثابة مسرح جريمة بالنسبة للعلماء والمؤرخين، ورغم التقرير المفاجئ، إلا أن العديد من المهتمين مازالوا يأملون في إمكانية استخراج السفينة وتحويلها إلى متحف، حيث لا يزال هذا الخيار ممكنًا من الناحية العلمية والتقنية، حيث من المنتظر أن يكون المتحف موردًا مهمًا لجميع أحفاد العبيد في الولايات المتحدة ويمكن أن يجلب إيرادات ضرورية للغاية لمجتمع أفريكا تاون.

عانى العبيد المتبقون على قيد الحياة من المعاملة القاسية من قبل مالكهم ميهر، وقال زعيمهم كوسولا في مقابلة أجريت معه عام 1914 إن الناجين طلبوا من تيموثي ميهر مساعدتهم في العودة إلى إفريقيا، لكنه رفض، كما قام بمنعهم من التصويت، ولكنه اضطر لتشغيل أعداد منهم في مصنع أخشاب يمتلكه.

صور حطام سفينة كلوتيلدا
الغرف المغلقة

وتشمل الأدلة التاريخية الرئيسية في سفينة كلوتيلدا، التي يريدون الحفاظ عليها، الهيكل السفلي للسفينة حيث كان يتم احتجاز الأفارقة المستعبدين، حيث كشفت عمليات الغوص في المياه العميقة أن الغرف المغلقة التي كان يتم احتجاز 110 أشخاص فيها لا تزال سليمة في الغالب.

ولكن عملية إخراجها، كما يقول العلماء، سوف تتطلب تفكيك السفينة "قطعة قطعة، ومسمارًا مسمارًا"، وهو ما قد يعرض بعض الأدلة المادية المتبقية حول تجارب الأشخاص المستعبدين على متنها للخطر، وأوصى التقرير بخطة من شأنها الحفاظ على الهيكل الموجود تحت الماء، من خلال تركيب أعمدة كبيرة حول السفينة لحمايتها من السفن والقوارب الأخرى.

اجتماع تاريخي بين عائلة ميهر وعائلة كوسولا
اجتماع تاريخي

ومنذ اكتشاف السفينة عام 2019 حدث خلاف كبير حول كيفية التعامل معه، خاصة بالنسبة للأحفاد المباشرين للعبيد المقيمين في المدينة، حيث لا تزال عائلة ميهر تمتلك ملايين الدولارات من العقارات في المنطقة، فضلًا عن الحدائق والطرق التي تحمل اسم العائلة، وبعد سنوات من الرفض، جلس أحفاد المستعبدين وأحفاد مالك العبيد في اجتماع تاريخي للحديث عن المصالحة.

وتغمر المياه السفينة في منطقة مخصصة لإدارة الحياة البرية، كما تم إدراج المدينة في السجل الوطني للأماكن التاريخية؛ مما يعني أن العملية ستتطلب من فيلق مهندسي الجيش الأمريكي الحصول على تصريح فيدرالي لتثبيت وسائل الحماية، وهي العملية التي يمكن حلها في غضون أشهر طالما لا توجد صراعات خطيرة بين الحماية البيئية واحتياجات السفينة، بحسب مهندسي الجيش.

مدينة أفريكاتاون التي أسسها الأفارقة
مدينة أفريكا تاون

في عام 2018 صدر كتاب يوثق حياة كودجو لويس، آخر رجل إفريقي مستعبد على متن سفينة كلوتيلدا ويتضمن قصصًا عن نشأة لويس في إفريقيا، وتجاربه على متن سفينة العبيد وأثناء استعباده، ودوره في العثور على أفريكا تاون، والذي توفي في عام 1935 عن عمر يناهز 94 عامًا، وأكد رئيس جمعية أحفاد كلوتيلدا، أنه منذ معرفة المزيد عنما مر به أجدادهم، أصبح يرغب في مواصلة جهود المصالحة والشفاء للأحفاد.

وفي نهاية المطاف، قالت فرقة العمل إن خطة الحفاظ تحت الماء لن تحمي الهيكل إلا لمدة تقدر بنحو 100 عام قبل أن يستسلم بالكامل للتآكل، وأضافوا أن الجدول الزمني قد يتقلص بسبب تغير المناخ، وهو ما من المرجح أن يؤثر على مستويات ودرجات حرارة وملوحة المياه المحيطة بالسفينة.

ولا يزال يعيش في أفريكا تاون نحو 800 شخص، بعد أن كان عددهم 12 ألف شخص في ستينيات القرن العشرين، ويعتبرها المقيمون فيها من أحفاد العبيد الأفارقة موطنهم، حيث تم بناء طريق سريع بين الولايات في وسط أفريكا تاون في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وتحيط المصانع والمنشآت الكيميائية بالتجمعات الصغيرة المتبقية من المنازل.