في غضون أربعة أيام، تغيّرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا بشكل كبير. فقد تحوّل توغل القوات الأوكرانية في منطقة "كورسك" الروسية بسرعة إلى أكبر مكسب منذ الهجمات المضادة الأوكرانية الناجحة في خاركيف وخيرسون منذ خريف عام 2022.
وربما كان هذا المكسب هو ما دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإقرار عمليات عسكرية "تهدف إلى نقل الحرب لروسيا"، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال: "أعد قائد القوات المسلحة تقارير عن الجبهة، عن تحركاتنا ونقل الحرب إلى أراضي المعتدي، وأوكرانيا تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضروري".
ويعتبر التوغل الأوكراني في "كورسك" هو الأول لقوات أجنبية في الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، ما دفع أنصار أوكرانيا الغربيين للوقوف إلى جانب كييف، حيث أصدر البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي بيانات تفيد بأن الأمر متروك لأوكرانيا لاتخاذ القرار بشأن العملية.
وتخوض روسيا معارك ضارية ضد آلاف الجنود الأوكرانيين على عُمق 20 كيلومترًا داخل المنطقة. وفي وقت سابق، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن قواتها تواصل التصدي لتوغل أوكراني في البلاد بحسب وكالة "رويترز".
وذكرت روسيا أن وحدات من مجموعة القتال الشمالية والاحتياطيات أحبطت محاولات أوكرانية لاختراق المنطقة، باستخدام طيران الجيش والمدفعية، في محيط إيفاشكوفسكويي ومالايا لوكنيا وأولجوفكا.
خطوط حمراء
في السابق، كان هناك الكثير من النقاش في واشنطن وبرلين وبين وسائل الإعلام التي تتكهن بشكل جنوني حول الخطوط الحمراء المفترضة للكرملين التي من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة، ونهاية العالم النووية، وكان أحد هذه الخطوط هو نقل الحرب إلى روسيا بأسلحة غربية، وقد حدث.
كان الاعتقاد في التصعيد غير المنضبط قد دفع إدارة بايدن وبعض شركائها إلى تقييد أنواع الأسلحة المرسلة لأوكرانيا، التي لم يُسمح لها باستخدام الصواريخ الغربية لضرب المنشآت العسكرية على الجانب الروسي من الحدود، لكن، قد يكون جزءًا من تأثير وهدف عملية "كورسك" هو إثبات خطأ هذا الخط الأحمر؛ كما يلفت تحليل لمجلة "فورين بوليسي".
مع استمرار الهجوم، لا يزال من المبكر معرفة الأهداف الاستراتيجية التي تأمل أوكرانيا في تحقيقها. لكن من بين التكهنات التي اكتسبت قدرًا كبيرًا من الزخم، أن هذا قد يؤدي إلى نهاية أسرع للحرب.
يشير تحليل "فورين بوليسي" إلى أن العملية توضح أن أوكرانيا تحتفظ بإمكانات كبيرة لإلحاق الأذى بروسيا. وإذا تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود والحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية، فقد يعزّز ذلك من نفوذ أوكرانيا في أي مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب.
مقايضة الأراضي
تنقل صحيفة "واشنطن بوست" عن مستشار للرئيس الأوكراني أن العملية ستمنحهم النفوذ الذي يحتاجونه للمفاوضات مع روسيا "هذا هو كل ما في الأمر". وهو ما يتوافق مع التلميحات الأخيرة التي أدلى بها زيلينسكي نفسه، بأن كييف مستعدة للتفاوض.
كان الرئيس الأوكراني ذكر، في مقابلة مع "بي بي سي" في يوليو الماضي، إنه "ليس علينا استعادة جميع الأراضي بالوسائل العسكرية. أعتقد أنه يمكن تحقيق ذلك أيضًا بمساعدة الدبلوماسية".
أيضًا، كان رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت اقترح، في تغريدة على منصة "إكس"، أنه "يمكن مقايضة روسيا المحتلة بأوكرانيا المحتلة"، وأن تكون الفكرة أن تنسحب كلتا الدولتين إلى داخل حدودهما المعترف بها.
هكذا، إذا بدا أن كييف تعد الأرضية لمفاوضات محتملة، من خلال السعي إلى تعزيز موقفها والإعلان علنًا عن استعدادها لذلك، فإن هذا يشكّل أيضًا استجابة لعوامل عدة. خاصة بعد انتقاد الحلفاء للطريقة التي استبعدت بها أوكرانيا المحادثات مع موسكو عدة مرات، ومع قيام الكرملين بتمرير خطاب خلفي مفتوح للمحادثات، فقد خاطرت كييف بأن يُنظر إليها على أنها متعنتة في منع نهاية مبكرة للحرب.
ويشير تحليل "فورين بوليسي" إلى تزايد الشعور بالتعب من الحرب بين سكان أوكرانيا "ورغم أن أغلبية الأوكرانيين يفضلون الاستمرار في القتال حتى تحرير كل الأراضي التي احتلتها روسيا منذ عام 2014، فإن عدد الذين يقولون إن أوكرانيا قد تتاجر ببعض هذه الأراضي في مقابل السلام آخذ في الارتفاع".
أيضًا، في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، قد تتوقف المساعدات الأمريكية بشكل مفاجئ، أو قد تواجه إدارة هاريس صعوبة في تجميع حزم الدعم المستقبلية إذا احتفظ الجمهوريون بأغلبيتهم في مجلس النواب.