عادة ما تكون الولايات المتحدة، مترددة في مناقشة الهجمات الإلكترونية، أو حتى توجيه اللوم مباشرة إلى الدول الأخرى بشأن عمليات الاختراق، لكنها هذه المرة كانت علنية بشكل ملحوظ في إدانتها للصين منذ الكشف عن وجود مجموعة قرصنة يُزعم ارتباطها بالحكومة الصينية، تسمى "فولت تايفون"، داخل الشبكات الأمريكية في العام الماضي.
في الوقت نفسه، كانت الوكالات الفيدرالية الأمريكية، وشركات البنية التحتية الحيوية، تتسابق لعزل شبكات الكمبيوتر الرئيسية -مثل التي تدعّم شبكات الطاقة ومراكز النقل- في مواجهة قراصنة "فولت تايفون".
وهذا الأسبوع، كانت مجموعة الاختراق الصينية حاضرة بقوة خلال مناقشات خبراء الأمن السيبراني الذين اجتمعوا في لاس فيجاس (مؤتمر القبعة السوداء) لحضور أكبر مؤتمرين للقرصنة هذا العام، إذ اتفقوا على أن هذه الجهود الضخمة للحد من الهجمات "لم تحقق أي تأثير يذكر"، كما ذكر تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
انتقاد علني
يقلق الاختراق السيبراني الصيني مجتمع الاستخبارات الأمريكي والتقني بشكل كبير، وبالنظر إلى المؤشرات فإن الصين تستعد لاستخدام الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة إذا قررت غزو تايوان، أو خاضت حربًا مع الفلبين، أو إذا شعرت الصين أن الولايات المتحدة تُزيد بشكل حاد من مساعداتها العسكرية للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.
وعلى مدار العام الماضي، كانت الوكالات الفيدرالية، بما في ذلك وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، ووكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، والوكالات السيبرانية في الدول المتحالفة، صريحة بشكل متزايد بشأن التهديد الذي تشكّله المجموعة الصينية، وشمل ذلك إصدار تنبيهات أمنية، والسماح لكبار المسؤولين بالتحدث بصراحة عن المكان الذي تم العثور فيه على المتسللين، بل وإثارة القضية مع الصين بشكل مباشر خلال الزيارات الأخيرة، وكذلك رفع السرية عن تفاصيل الاستهداف بطريقة نادرة بالنسبة للوكالات الأمنية، التي عادة ما تكون صامتة.
كانت شركة "مايكروسوفت" من بين أوائل الشركات التي أعلنت عن هذه المجموعة علنًا في العام الماضي، ونشرت تقريرًا مفصلًا عن كيفية تمكن قراصنة "فولت تايفون" من اختراق شبكات المنظمات الحيوية في إقليم "جوام" التابع للولايات المتحدة -الذي يعد عنصرًا أساسيًا في نشر القوات في حالة نشوب حرب مع الصين- إضافة إلى اختراقات أخرى في مجالات عدة.
مع هذا، قالت جين إيسترلي، مديرة وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية للأمن، للصحفيين في مؤتمر القبعة السوداء: "ما وجدناه حتى الآن من المرجح أن يكون مجرد قمة جبل الجليد، ونعتقد أن هناك الكثير مما لا نراه".
في المناسبة نفسها، قالت فيليسيتي أوزوالد، الرئيسة التنفيذية لمركز الأمن السيبراني الوطني في المملكة المتحدة: نحن واضحون حقًا في أننا لا نشعر بالارتياح تجاه الاتجاه الذي تسلكه الدولة الصينية في مجال الأمن السيبراني.. وهذا مصدر قلق كبير بالنسبة لنا".
تشويه الصين
تقول "بوليتيكو": "كان من الصعب للغاية -ومكلفًا- على الشركات التي استهدفتها مجموعة قراصنة "فولت تايفون" اكتشاف الاختراق.. ويتلخص هدف المجموعة في التسلل إلى شبكة والحفاظ على القدرة على الوصول إلى عمليات التأثير في حالة نشوب صراع، وليس سرقة البيانات أو غيرها من أنواع الهجمات التي يسهل اكتشافها".
وأضافت، نقلًا عن أحد خبراء الأمن السيبراني: "بالأحرى هذه عملية وصول.. إنهم يتعمدون الصمت، ومن الصعب جدًا القبض عليهم".
ومع ذلك، فإن الجهود الأمريكية جعلت الصين تدرك أن الولايات المتحدة على علم بأنشطتها، ويقول الخبراء إن القطاع الخاص أصبح أكثر وعيًا بالمشكلة ويعزّز إجراءاته الأمنية نتيجة لذلك، كما أن واشنطن لديها أدوات أخرى، وتنفذ بانتظام عمليات سيبرانية هجومية.
وفي حين أن القليل من هذه الجهود معلنة، لكن منها دودة الكمبيوتر "ستوكسنت" التي استخدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل لتعطيل البرنامج النووي الإيراني قبل نحو 15 عامًا، وعملية أمريكية لإحباط مزرعة التصيد التابعة لوكالة أبحاث الإنترنت الروسية من نشر معلومات مضللة للتدخل في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية عام 2018.
كما اتهم المسؤولون الصينيون الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا بتنفيذ هجمات إلكترونية بنفسها و"تشويه" سمعة الصين.
وقال ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن العاصمة، لصحيفة "بوليتيكو" في وقت سابق من هذا العام إن مجموعة فولت تايفون هي "مجموعة إجرامية إلكترونية تستغل برامج الفدية"؛ أي أنها غير تابعة للحكومة الصينية. وهو التصريح الذي لا يلقى استحسان الأمريكيين.