ظلت الأصول الدقيقة للغلاف الجوي الرقيق للغاية للقمر، والمعروف باسم "الغلاف الخارجي"، لغزًا للعلماء لعقود من الزمن. ولكن، وفقًا لورقة بحثية جديدة في مجلة Science Advances، فقد يكون ذلك نتيجة أساسية لـ "تأثير التبخر".
ويعني هذا الافتراض أن قصف القمر بالنيازك الدقيقة بحجم الغبار، يؤدي إلى تبخر المواد الكيميائية الموجودة في التربة، حيث يصبح الغاز جزءًا من الغلاف الجوي للقمر، الذي عرفه البشر منذ ثمانينيات القرن العشرين.
وكان يُعتقد في السابق أن الغلاف الجوي القمري ناتج عن "التجوية الفضائية"، وهي عملية تفتت وتحلل الصخور والتربة والمعادن على سطح القمر أو قربه، بواسطة العوامل الجوية السائدة؛ لكن العلماء لم يكونوا متأكدين من الآليات الدقيقة لذلك.
بالمقارنة مع الغلاف الجوي السميك للأرض، فإن الغلاف الخارجي للقمر يتكون من كميات ضئيلة من الغازات، مما يجعله أشبه بالفراغ. تشمل هذه الغازات الهيدروجين والهيليوم والنيون وكميات ضئيلة من الغازات الأخرى مثل الأكسجين والأرجون والميثان.
أيضًا، كثافة الغلاف الجوي على القمر منخفضة بشكل لا يصدق، مع ضغط سطحي يبلغ حوالي 0.000000000000003 بار - وهو ما يكاد يكون ضئيلًا مقارنة بالضغط الجوي للأرض الذي يبلغ حوالي 1 بار عند مستوى سطح البحر.
وقد تمهد هذه الاكتشافات الطريق لدراسة الغلاف الجوي الرقيق حول الأقمار الأخرى في نظامنا الشمسي، بما في ذلك قمر المريخ "فوبوس".
التبخر
وصف الباحثون كيف كشفت عينات القمر، المأخوذة من بعثات "أبولو"، أن النيازك ذات الأحجام المختلفة، كانت تضرب سطح القمر باستمرار، مما أدى إلى تبخر الذرات الموجودة في التربة ودفعها إلى الغلاف الجوي.
وقالت نيكول ني، مؤلفة الدراسة والأستاذة المساعدة في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في بيان: "نقدم إجابة قاطعة مفادها أن تبخر تأثير النيزك هو العملية السائدة التي تخلق الغلاف الجوي للقمر".
وأضافت: "يبلغ عمر القمر نحو 4.5 مليار سنة، وخلال تلك الفترة تعرض سطحه لقصف مستمر من النيازك. ونُظهِر أنه في نهاية المطاف، يصل الغلاف الجوي الرقيق إلى حالة مستقرة؛ لأنه يتجدد باستمرار من خلال التأثيرات الصغيرة في جميع أنحاء القمر".
كما تم اكتشاف آلية أخرى تلعب دورًا رئيسيًا، وذلك باستخدام البيانات التي تم جمعها بواسطة مستكشف الغلاف الجوي والغبار القمري (LADEE) التابع لوكالة ناسا.
ودرس المسبار، عن بعد، الغلاف الجوي للقمر، ووجد أن "الرشقات الأيونية" من الجسيمات المشحونة للرياح الشمسية، يمكن أن تتسبب في إطلاق الذرات الموجودة في تربة القمر في الهواء.
وأشارت نيكول إلى أنه "استنادًا إلى بيانات (LADEE)، يبدو أن كلتا العمليتين تلعبان دورًا. على سبيل المثال، أظهرت البيانات أنه أثناء هطول النيازك، ترى المزيد من الذرات في الغلاف الجوي، مما يعني أن الاصطدامات لها تأثير. لكنها أظهرت أيضًا أنه عندما يكون القمر محميًا من الشمس، كما هو الحال أثناء الكسوف، تحدث أيضًا تغييرات في ذرات الغلاف الجوي، مما يعني أن الشمس لها أيضًا تأثير. لذا، لم تكن النتائج واضحة أو كمية".
النظائر
لفتت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى أن الباحثين درسوا نظائر البوتاسيوم والروبيديوم الموجودة في تربة القمر، وهي مواد كيميائية متطايرة تتبخر بسهولة بواسطة هاتين الآليتين.
و"النظير" هو نسخة من عنصر له نفس عدد البروتونات، ولكن له عدد مختلف من النيوترونات في نواته. جميعها لها نفس الخصائص الكيميائية الأساسية؛ لأنها تحتوي على نفس عدد البروتونات، ولكن لها كتل مختلفة بسبب اختلاف عدد النيوترونات.
وقد توصل الباحثون إلى أنه إذا تم تبخرها بهذه الطريقة، فمن المرجح أن تطير النظائر الأخف وزنًا إلى الغلاف الجوي، وتبقى النظائر الأثقل وزنًا. وسوف تظل نسب مختلفة من النظائر الخفيفة والثقيلة، إذا كان الأمر يتعلق بالتبخر الناتج عن الاصطدام أو الرشح الأيوني.
كما اكتشف الباحثون أن نظائر ثقيلة بقيت في تربة القمر، مما يشير إلى أن تبخر الأيونات هو الطريقة الأساسية لتكوين الغلاف الجوي على القمر.
في الدراسة المنشورة حديثًا، خلص الباحثون إلى أن الغلاف الجوي الخارجي للقمر يتكون من 70% من التبخر الناجم عن الاصطدام، بينما يتكون 30% المتبقية من خلال رش الأيونات.
وقالت نيكول: "في حالة التبخر الناتج عن الاصطدام، فإن معظم الذرات ستبقى في الغلاف الجوي للقمر، بينما في حالة الرش الأيوني، فإن الكثير من الذرات ستُقذف إلى الفضاء. ومن خلال دراستنا، يمكننا الآن تحديد دور كلتا العمليتين، لنقول إن المساهمة النسبية للتبخر الناتج عن الاصطدام مقابل الرش الأيوني تبلغ حوالي 70:30 أو أكثر".
وأكدت: "بدون عينات أبولو هذه، لن نتمكن من الحصول على بيانات دقيقة وقياسها كميًا لفهم الأشياء بمزيد من التفصيل. من المهم بالنسبة لنا إحضار عينات من القمر والأجسام الكوكبية الأخرى، حتى نتمكن من رسم صور أكثر وضوحًا لتكوين النظام الشمسي وتطوره".