بينما يلوح شبح عودة الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، تتسابق إدارة الرئيس بايدن، وحكومات أخرى في جميع أنحاء العالم لتأمين استراتيجيتها المناخية العالمية ضد التراجع المحتمل في عهد ترامب.
وتتضمن هذه المساعي الضغط على البنك الدولي لإطلاق الأموال لمشاريع الطاقة النظيفة في الدول النامية، وذلك "بطريقة لا تستطيع إدارة ترامب المستقبلية عكسها من جانب واحد"، وفق تعبير صحيفة "بوليتيكو".
أيضًا، يتحدث المسؤولون الأمريكيون مع الصين بشأن المهمة الأكثر صعوبة، والمتمثلة في خفض كمية هائلة من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي المنبعثة من صناعات النفط والغاز والفحم.
كما تعمل واشنطن مع عواصم أخرى لدفع جهود دولية بقيمة مليار دولار لخفض تلوث غاز الميثان، الذي أعلنت عنه نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية المحتملة الآن، في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة العام الماضي في دبي.
في هذه الأثناء، عقد دبلوماسيو المناخ، والمدافعون عن البيئة، أولى مناقشاتهم المبكرة حول سبل إقناع المستثمرين الأثرياء بأن الطاقة الخضراء لا تزال تشكل موجة المستقبل، حتى لو فاز ترامب في نوفمبر المقبل.
خوف وحرج
كان أداء بايدن المتعثر في المناظرة التي جرت في السابع والعشرين من يونيو الماضي، بمثابة عامل مسرّع لتخطيط الدول العاملة على حلول المناخ "ما أثار خوفًا وحرجًا عند ظهور حقيقة مفادها أن الرئيس الأمريكي قد يخسر"، كما نقلت "بوليتيكو" عن أحد المشاركين في المحادثات الدبلوماسية.
والأسبوع الماضي، التقى وزراء ومسؤولون عن المناخ من نحو 40 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، في مدينة ووهان الصينية، وتحدثوا عن أهمية إقامة تعاون أعمق بدون الولايات المتحدة؛ التي ستتصاعد خلال القمم المخطط لها في نيويورك وأذربيجان والبرازيل في الأشهر المقبلة.
لكن حتى الآن، فإن المناقشات حول المناخ لا تزال بعيدة كل البُعد عن التقدم الذي أحرزته الجهود الموازية التي يبذلها حلف الأطلسي، وحلفاء الولايات المتحدة الآخرون، لتخفيف الاضطرابات التي قد تجلبها عودة ترامب إلى علاقاتهم الأمنية والدفاعية.
تقول الصحيفة: يواجه أنصار المناخ عقبات من بينها احتمال أن يمتلك ترامب، الذي وصف تغير المناخ بأنه "خدعة"، وأدان الإنفاق على الطاقة الخضراء، وسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس عام 2015 خلال ولايته الأولى، الأدوات اللازمة لإلحاق أضرار جسيمة بالنظام الدولي للمناخ.
أيضًا، هناك النفوذ المحدود الذي تتمتع به أغلب الحكومات على دولة تتمتع بأقوى اقتصاد في العالم، وتتبنى في ظل سياسة خارجية انعزالية بشكل متزايد يقودها ترامب.
تنقل "بوليتيكو" عن نايجل بورفيس، المسؤول السابق عن المناخ في وزارة الخارجية الأمريكية إنه "في كثير من النواحي، فإن موقف المجتمع الدولي هو أن الأمريكيين شريك غير موثوق به، وعلينا أن نكون مستعدين للمضي قدمًا بدونهم".
وقال بورفيس إنه "مهما كانت الإجراءات التي تتخذها إدارة ترامب، فليس من الواضح أن هذه الدول قادرة على اتخاذ رد فعل قوي لمواجهته أو محاصرته. بعبارة أخرى، لا توجد خطة بديلة".
في الوقت نفسه، حاول المسؤولون الأمريكيون تهدئة مخاوف حلفائهم. إذ أشار مستشار البيت الأبيض جون بوديستا، الذي يقود ملف المناخ الدولي لإدارة بايدن، إلى أن مئات المليارات من الدولارات من الحوافز الضريبية للطاقة النظيفة التي أنشأها قانون بايدن لخفض التضخم "متجذرة جيدًا، وستريد الصناعة الحفاظ على هذه السياسات".
وقال بوديستا لـ"بوليتيكو": "تتساءل الحكومات الأخرى: ما مدى استمرارية سياستنا؟ وأنا قادر بكل ثقة على القول إنني أعتقد أن البنية والاستثمارات التي نقوم بها مستقرة وآمنة تمامًا".
لكن، في خطاب قبوله الترشح في المؤتمر الجمهوري في 18 يوليو المنقضي، أرسل ترامب إشارة معاكسة، حيث أصر على أنه "سيخنق تدفق إنفاق بايدن على الطاقة الخضراء".
وقال: "كل تريليونات الدولارات التي لم يتم إنفاقها بعد، لن نسمح بإنفاقها على أفكار احتيال خضراء جديدة لا معنى لها".
خيارات أخرى
قد تكون قمة زعماء أكبر عشرين اقتصادًا في العالم في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، المقرر عقدها بعد أقل من أسبوعين من الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، بمثابة اختبار مهم لإرادة المساهمين الرئيسيين في البنك الدولي للمضي قدمًا في تغييرات التمويل، مع أو بدون الدعم الأمريكي.
ومن المقرر عقد اجتماعات جانبية لمناقشة "كيفية الرد الدقيق على ترامب" في سبتمبر المقبل، أثناء اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بحسب ثلاثة مسؤولين تحدثوا للصحيفة.
في الوقت نفسه، قال ريك ديوك، المفاوض الثاني في وزارة الخارجية بشأن المناخ، إن الدبلوماسيين الأمريكيين والصينيين يعملون على صياغة معايير انبعاثات الميثان من قطاعات النفط والغاز والفحم في الصين. حيث تحتاج الصين إلى استثمارات بقيمة مليار دولار أمريكي للحد من انبعاثات الميثان، التي أعلنت عنها هاريس العام الماضي.
أما في قمة المناخ المقبلة COP29، حيث من المقرر أن يجتمع زعماء العالم في باكو بأذربيجان، بعد أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية، فإذا تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها، فإن الصين سوف تكون على استعداد لتولي دور مهيمن في محادثات المناخ العالمية.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن آخرين يخططون بالفعل لـ"إعادة إنشاء نظام مؤقت من الاجتماعات السرية وغير الرسمية، الذي تم بناؤه على عجل خلال فترة ولاية ترامب الأولى، للحفاظ على تقدم دبلوماسية المناخ في غياب الولايات المتحدة". كما يُنظَر إلى ترتيبات أخرى أكثر رسمية باعتبارها مفتاحًا للحفاظ على المشاركة بين الصين والغرب.