قبل أسبوع، أثناء وقوفه إلى جانب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب في فلوريدا، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غامضًا بشأن مساعي احتمالات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذ قال "آمل أن نتوصل إلى اتفاق، والوقت كفيل بإخبارنا بذلك" بعد يومين من خطابه المثير للجدل أمام الجلسة المشتركة للكونجرس.
وطوال زيارته للولايات المتحدة، التي استمرت ثلاثة أيام، حرص نتنياهو على تجنب الالتزام بأي اتفاق كشف عنه الرئيس الحالي جو بايدن.
وفي حين أصرت الولايات المتحدة، علنًا، على أن العبء يقع على عاتق حماس لقبول الخطة، كانت الإدارة الأمريكية تعلم أنها، أيضًا، "بحاجة إلى ملاحقة نتنياهو شخصيًا بسبب إحجامه عن الالتزام بوقف إطلاق النار الدائم"، كما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
ووفقًا لتقارير أمريكية، يبدو الآن أنه في الوقت الذي كان نتنياهو يقوم بالتسويف علنًا بشأن التوصل إلى اتفاق، كانت قنبلة يتم التحكم فيها عن بُعد قد تم تهريبها بالفعل إلى بيت ضيافة في العاصمة الإيرانية طهران، وقبعت في انتظار هدفها الثمين، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي اغتيل ليلة الأربعاء الماضي.
وذكرت كل من صحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "سي إن إن" أن "هنية" قُتل بعبوة ناسفة وُضعت في دار الضيافة التي كان معروفًا أنه يقيم فيها أثناء زيارته لإيران تحت حماية الحرس الثوري.
ورغم أن إسرائيل لم تؤكد أو تنفّي حتى الآن المسؤولية عن الهجوم، لكن تشير "الجارديان" إلى أن "هذا يتناسب مع نمط عمليات القتل المستهدفة الإسرائيلية السابقة على الأراضي الإيرانية".
وتقول الصحيفة البريطانية: "هكذا، وإذا صدّقنا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فإن نتنياهو لم يكشف قط عن خطة الاغتيال لحلفائه الأمريكيين، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أصر على أنه لم يكن على علم بالأمر، لذلك، فإن اغتيال هنية ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل استهانة نتنياهو بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب، التي بدت جلية في الخلافات بشأن العدوان على قطاع غزة".
إحراج أمريكا
في دفاعها عن نتنياهو، لم تؤكد إسرائيل التقارير الإعلامية الأمريكية التي أشارت إلى وجود خطة لاغتيال هنية، كما لم تخف قط نيتها قتل كبار قادة حماس ردًا على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، "حتى عندما كان يتحدث أمام الكونجرس، لم يكن رئيس الوزراء ليعلم أن خطة الاغتيال التي وردت في التقارير ستنجح إلى هذا الحد، أو أن لها مثل هذا التأثير المدمر"، حسب "الجارديان".
وفي واشنطن، ارتدى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي قناع الشجاعة، مدعيًا أن عملية وقف إطلاق النار "لم يتم نسفها تمامًا"، وأصر على أنه "ما زال الاتفاق على الطاولة ويستحق المتابعة".
في الواقع، يقول المراقبون إن الاغتيال "يؤكد كيف تبدو الولايات المتحدة بكثير من الأحيان في صورة الشريك الأصغر في العلاقة مع إسرائيل".
الاستهانة ببايدن
يشير تحليل "الجارديان" إلى أن قتل خصوم تل أبيب هو "مؤشر آخر على عدم قدرة إدارة بايدن على الاستفادة من علاقة أمنية مع سياسي لا تتشارك معه في الأساليب والأهداف"، في حين يتقاسم كل من ترامب ونتنياهو قدرة مشتركة تتمثل في "امتلاك القوة السياسية لدرء الإجراءات الجنائية ضدهما".
تنقل الصحيفة البريطانية عن مات داس، مستشار السياسة الخارجية السابق للسيناتور الأمريكي بيرني ساندرز قوله: "مرة أخرى يستهين نتنياهو ببايدن شهرًا تلو الآخر من هذه الإهانات والإذلالات المتكررة من نتنياهو، التي بلغت ذروتها في هذه اللحظة السخيفة الأسبوع الماضي، حيث جاء وتحدث أمام الكونجرس لتقويض اقتراح بايدن لوقف إطلاق النار".
وأضاف: "مع ذلك، يرفض بايدن، الذي يضع قدرًا من الأهمية للعلاقات الشخصية، تغيير المسار ".
وقال "داس" إن رفض بايدن السيطرة على إمدادات الأسلحة الأمريكية كوسيلة للضغط على إسرائيل، ترك نتنياهو حرًا في مواصلة الحرب "ولم يتبق لبايدن سوى الاتصال بنتنياهو بعد يومين من الاغتيال، والتعهد بالدفاع عن إسرائيل من أي تهديدات من إيران ومجموعاتها التابعة".
وأضاف: "إذا كان هناك أي تحذير خاص أو استنكار، فإن القراءة العامة للمكالمة أخفته".
وفي وقت لاحق، أعرب بايدن عن إحباطه، قائلًا للصحفيين: "لدينا الأساس لوقف إطلاق النار. ينبغي لهم أن يتحركوا الآن"، وعندما سُئل عما إذا كان مقتل هنية قد أفسد احتمالات التوصل إلى اتفاق، قال الرئيس: "ذلك -أي الاغتيال-لم يفيد".