الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مبادرة رباعية.. هل ينجح التعاون الأوروبي في تطوير قدرات الضربات بعيدة المدى؟

  • مشاركة :
post-title
صواريخ بعيدة المدى من صُنْع أوروبي

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تسعى مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا إلى تعزيز التعاون المشترك بين الدول الأربعة، لتطوير أنظمة صواريخ بعيدة المدى. فهذه المبادرة تهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية المشتركة لهذه الدول في مجال التكنولوجيا العسكرية، وتحسين القدرات الدفاعية المشتركة، والتعاون في مجالات البحث والتطوير العسكري.

في ضوء ذلك، يأتي هذا التحليل للإجابة على عدة تساؤلات، أهمها: ما أهمية وأهداف مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا؟ وكيف سيتم تنفيذ الأنشطة والبرامج التي تتضمنها المبادرة؟ وكيف يمكن تحليل التكلفة والعائد اقتصاديًا واستراتيجيًا لها؟ وما أهم الأبعاد والجوانب التي تتضمنها القراءة المستقبلية لتلك المبادرة؟

تنامٍ ملحوظ

لوحظَ تنامي المبادرات الغربية للتعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية في السنوات الأخيرة، وتمثل المبادرة محور هذا التحليل واحدة من المبادرات التي تشمل مجموعة واسعة من البرامج والاتفاقيات بين الدول الغربية بهدف تعزيز القدرات الدفاعية والتكنولوجية المشتركة لهذه الدول. فهناك البرنامج المشترك لتطوير الصواريخ (Missile Defense Program) بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يتضمن التعاون في تطوير أنظمة دفاع صاروخي متعددة، بما في ذلك الدرع الصاروخي الأوروبي، فضلًا عن مبادرة الابتكار في الدفاع DIANA))؛ وهي مبادرة جديدة تهدف إلى تسريع وتيرة الابتكار في الدفاع والتكنولوجيا بين الدول الأعضاء في الحلف.

وتشتمل هذه المبادرات على المستوى الأوروبي كذلك البرنامج الأوروبي لتطوير الأسلحة EDAP))، وصندوق الدفاع الأوروبي (EDF) الذي يهدف إلى تمويل مشروعات البحث والتطوير في مجال الدفاع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، هذا بالإضافة إلى برنامج التعاون الأوروبي في مجال الدفاع PESCO)) الذي يستهدف تطوير الأنظمة الجوية القتالية المستقبلية.

وبالإضافة لما سبق، توجد العديد من المبادرات التي تعزز التعاون في التكنولوجيا العسكرية بين دولتين أو أكثر داخل القارة الأوروبية. ويأتي في مقدمة مثل هذه المبادرات، مشروع FCAS))؛ وهو مشروع مشترك بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا لتطوير طائرة قتالية من الجيل السادس. وهناك أيضًا برنامج التطوير المشترك للمركبات البرية (MGCS)، وهو مشروع مشترك بين فرنسا وألمانيا لتطوير مركبة قتالية جديدة لتحل محل الدبابات الحالية، فضلًا عن البرنامج البريطاني الفرنسي المشترك لتطوير الصواريخ MBDA والذي يتضمن تطوير صواريخ تكتيكية واستراتيجية متعددة الاستخدامات.

فهذه المبادرات تمثل جزءًا من الجهود المتواصلة لتعزيز التعاون الدفاعي بين الدول الغربية، سواءً بين دولتين أو أكثر أو عبر المؤسسات، مثل الناتو والاتحاد الأوروبي. وتستهدف هذه المبادرات تطوير تقنيات متقدمة لضمان الأمن والاستقرار في مواجهة التحديات العالمية المتزايدة في السنوات الأخيرة، والتي يأتي في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية.

أهمية متعددة الأبعاد

تحمل مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا لتطوير صواريخ بعيدة المدى في طياتها أهمية كبيرة تتعدد جوانبها، وذلك على النحو التالي:

(*) تعزيز الأمن القومي للدول الأربع: يعزز هذا التعاون قدرات الدول الأربع في مواجهة التحديات الأمنية الحديثة والمستقبلية من خلال تطوير تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى.

(*) تحقيق التكامل العسكري بين الدول الأربع: يساهم التعاون في بناء تكامل أعمق بين القوات المسلحة في الدول الأربع، مما يعزز التنسيق والتعاون المشترك في العمليات العسكرية.

(*) تعزيز الاستقلالية التكنولوجية للدول الأربع: تهدف المبادرة إلى تحقيق استقلالية أكبر في مجال التكنولوجيا العسكرية، مما يقلل من الاعتماد على تكنولوجيا وصواريخ من دول غير أعضاء في الاتفاق.

(*) دعم الابتكار والتطوير للدول الأربع: تعزز المبادرة التعاون في البحث والتطوير والابتكار في مجال تكنولوجيا الدفاع، ما يساهم في تطوير تقنيات جديدة وفعالة للصواريخ بعيدة المدى.

إجمالًا، تعتبر مبادرة التعاون العسكري الرباعي مهمة لتحسين القدرات الدفاعية والأمنية للدول الأربع، وتعزيز التكامل العسكري والاستقلالية التكنولوجية في مجال الدفاع. فهذه المبادرة تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية والتكنولوجية للدول الأربع، وتعزيز التعاون والتكامل العسكري بينهم للتصدي للتحديات الأمنية المشتركة.

آليات فعّالة للتنفيذ

يتم الاعتماد على عدة آليات ومنهجيات لتنفيذ مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا لتطوير صواريخ بعيدة المدى، تتضمن هذه الآليات ما يلي:

(*) التخطيط المشترك: يبدأ تفعيل المبادرة بتحديد أهداف التعاون ووضع خطط محددة لتطوير وإنتاج الصواريخ بعيدة المدى، يشمل ذلك تحديد الميزانية والموارد اللازمة والجداول الزمنية المحددة.

(*) البحث والتطوير: يتم التركيز في هذه المرحلة من التعاون بين الدول الأربع على البحث والتطوير، لتطوير تقنيات جديدة ومتطورة للصواريخ بعيدة المدى، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة في الملاحة، والدقة، والاستهداف.

(*) الإنتاج والتصنيع: يتم تنفيذ عمليات الإنتاج والتصنيع بشكل مشترك أو متكامل بين الدول الأربع، ما يسمح بتحقيق اقتصاديات الحجم الكبير، وبالتالي تقليل التكاليف.

(*) الاختبار والتقييم: يتم إجراء اختبارات دقيقة وتقييم شامل للصواريخ المطورة لضمان أدائها وفق المواصفات المطلوبة، ولضمان أنها تلبي متطلبات القوات المسلحة في كل دولة من الدول الأربع.

التكامل العسكري: يتم تعزيز التكامل بين القوات المسلحة في الدول الأربع، لضمان استخدام فعّال للصواريخ بعيدة المدى في العمليات العسكرية والتدريبات المشتركة.

المتابعة والتقييم المستمر: يتم تقديم تقارير دورية ومتابعة دقيقة لتقييم تقدم المبادرة، وضمان تحقيق الأهداف المحددة في الوقت المناسب، وهو الأمر الذي من شأنه التأكد من أنه يتم تنفيذ مبادرة التعاون العسكري الرباعي بشكل فعال ومنظم، وأنها تساهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتطوير واستخدام صواريخ بعيدة المدى بطريقة متكاملة ومتقدمة تكنولوجيًا.

التكلفة الاقتصادية للمبادرة

تعتمد التقديرات الدقيقة لهذه التكلفة على تفاصيل برامج وأنشطة مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، والتي لم تُعلن بشكل كامل. فعادة، تصل تكلفة المشروعات الدفاعية بمثل هذا الحجم إلى عشرات المليارات من اليوروهات على مدى عدة سنوات. وتتضمن التكلفة الاقتصادية لمبادرة تطوير صواريخ بعيدة المدى بين هذه الدول عدة جوانب رئيسية، يأتي في مقدمتها ما يلي:

(*) استثمارات البحث والتطوير R&D: تتطلب مراحل البحث والتطوير استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والهندسة، وتشمل هذه التكاليف رواتب العلماء والمهندسين، وتكاليف الاختبارات الميدانية، وتطوير النماذج الأولية.

(*) استثمارات التصنيع والإنتاج: بمجرد الانتهاء من مرحلة التطوير، تأتي تكاليف التصنيع والإنتاج الضخم للصواريخ، ويشمل ذلك تكلفة المواد الخام، وإنشاء أو تعديل خطوط الإنتاج، وتكاليف العمالة والتصنيع.

(*) استثمارات البنية التحتية: يتطلب تطوير واختبار وإطلاق الصواريخ بنية تحتية متخصصة. قد تشمل التكاليف بناء أو تحديث مرافق الاختبار والإطلاق، وتطوير أنظمة التحكم والمراقبة.

(*) تكاليف التدريب والتشغيل: تشمل هذه التكاليف تدريب القوات على استخدام وصيانة الصواريخ الجديدة، يتطلب ذلك برامج تدريب مكثفة ومحاكاة للعمليات، بالإضافة إلى تكاليف التشغيل والصيانة المستمرة.

(*) تكاليف التنسيق والتعاون الدولي بين الدول الأربع: يحتاج التعاون بين الدول الأربع إلى استثمارات في التنسيق المشترك والاجتماعات والبعثات التكنولوجية بين الدول، ما يضيف تكلفة إضافية على الميزانية المشتركة.

(*) التكاليف اللوجستية: تشمل النقل والتوزيع والتخزين الآمن للصواريخ والمواد المتعلقة بها، كما تشمل كذلك تكاليف تأمين اللوجستيات اللازمة لنقل المعدات والفرق الفنية بين الدول المشاركة.

(*) تكلفة المخاطر والتأمين: يتضمن تطوير تكنولوجيا جديدة بمخاطر مالية وتقنية، فقد تكون هناك حاجة إلى تأمين على المشروعات لتغطية أي إخفاق تقني أو تأخير في الجدول الزمني.

وبشكل عام، على ما يبدو أن تكلفة تلك المبادرة ستكون كبيرة، ولكن الفوائد المحتملة على صعيد الأمن القومي والتعاون الدولي والتقدم التكنولوجي قد تبرر هذه التكاليف والاستثمارات الضخمة. ويعتمد توزيع التكاليف بين الدول الأربع على الاتفاقيات التي توصلوا إليها، فيمكن أن يكون هناك توزيع متساوٍ أو توزيع يتناسب مع القدرة الاقتصادية لكل دولة أو إسهامها في جوانب معينة من المشروع.

مستقبل واعد

يتوقف مستقبل مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا لتطوير صواريخ بعيدة المدى على عدة عوامل رئيسية، ومن المحتمل أن تشهد هذه المبادرة تطورات متعددة بناءً على هذه العوامل التي تشمل ما يلي:

(*) مدى تحقق واستمرار التطور التكنولوجي المستهدف: من المتوقع أن تستمر المبادرة في تحقيق تقدم تكنولوجي ملحوظ في مجال الصواريخ بعيدة المدى، فمع التركيز على الابتكار والبحث والتطوير، ستسهم هذه المبادرة في تطوير تقنيات حديثة وأكثر فعالية في هذا المجال.

(*) معدلات تحقيق التكامل العسكري بين الدول الأربع: مع مرور الوقت، من المحتمل أن يتم تعزيز التكامل بين القوات المسلحة للدول الأربع ليصل إلى معدلات مرتفعة. ويشمل هذا تحسين التنسيق والتعاون في العمليات العسكرية المشتركة والتدريبات والتخطيط الاستراتيجي.

(*) التوسع في تطبيق المبادرة لتشمل دولًا أخرى مستقبلًا: قد تؤدي نجاحات المبادرة إلى جذب دول أخرى للانضمام إلى الجهود المشتركة، ما يعزز من التحالفات ويزيد من القدرات الدفاعية الجماعية في أوروبا.

(*) مدى القدرة على تحقيق استقلالية أكبر للدول الأربع في الدفاع ومواجهة التحديات: تطوير صواريخ بعيدة المدى خاصة بهذه الدول يعزز من استقلاليتها في مجال الدفاع، ما يقلل من الاعتماد على تقنيات ومنصات من دول أخرى، ويزيد من قدرتها على التعامل مع التهديدات المستقلة.

(*) مدى قدرة الدول الأربع على التأثير الجيوسياسي: مع تعزيز القدرات العسكرية والتكنولوجية، من المتوقع أن تلعب الدول الأربع دورًا أكبر في الشؤون الجيوسياسية والأمنية على المستوى الإقليمي والدولي. وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز من مكانتها كلاعبين رئيسيين في النظام الدولي.

(*) مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية: رغم الفوائد المحتملة، قد تواجه المبادرة تحديات سياسية واقتصادية، مثل التغيرات في السياسات الحكومية، وتقلبات الميزانيات الدفاعية، والضغوط الدولية. ولضمان نجاح المبادرة على المدى الطويل، سيكون من الضروري التركيز على استدامة البرامج وتحديث الأنظمة باستمرار لمواكبة التهديدات والتغيرات التكنولوجية.

(*) تحقيق الفوائد الاقتصادية رغم التكلفة العالية: هناك فوائد اقتصادية محتملة تشمل تحفيز الابتكار، فالتعاون بين الدول الأربع قد يؤدي إلى تطورات تكنولوجية يمكن استخدامها في قطاعات أخرى. وتشمل هذه الفوائد كذلك خلق فرص عمل ووظائف جديدة في مجالات البحث والتطوير والتصنيع. وتتضمن هذه الفوائد تقليل التكاليف المستقبلية لأن التعاون المشترك بين الدول الربع يمكن أن يقلل من تكاليف الدفاع الفردية على المدى الطويل من خلال تقاسم التكاليف والتقنيات.

وفي النهاية، يمكن القول إن مبادرة التعاون العسكري الرباعي بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا لتطوير صواريخ بعيدة المدى، تمثل واحدة من المبادرات الغربية التي تلاحظ تزايدها في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تعزز هذه المبادرة الاستقلالية التكنولوجية للدول الأربع في مجال الدفاع، وبالتالي تعزيز تأثيرها السياسي والعسكري على المستوى الإقليمي والدولي عبر تعزيز القدرات الدفاعية والتكنولوجية للدول الأربع. فمن شأن هذه المبادرة أن تدعم وتقوي موقف تلك الدول كلاعبين رئيسيين في الأمن العالمي، وتعزز مكانتها كشركاء استراتيجيين قادرين على التعامل مع التحديات الجيوسياسية والأمنية العالمية مستقبلًا.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة العربية؛ هو: هل يمكن إطلاق وتنفيذ مبادرات مماثلة في منطقتنا العربية بما يعزز الجهود المشتركة بين الدول العربية لدعم القدرات العربية الدفاعية والتكنولوجية بهدف الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة التحديات الجيوسياسية والأمنية والمستقبلية المتزايدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي؟