يشهد قطاع غزة مجددًا، موجة نزوح واسعة، مع إصدار جيش الاحتلال أوامر جديدة بتهجير الفلسطينيين في عدد من المناطق بمدينة غزة، مما فاقم معاناة النازحين في القطاع المُدمر؛ جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر الماضي.
وعلى مدى الأيام العشرة الماضية، أصدر جيش الاحتلال تعليمات لمئات الآلاف من الأشخاص في خان يونس في الجنوب، والشجاعية في وسط غزة، والعديد من أحياء مدينة غزة بالمغادرة.
وأوامر التهجير الجديدة الصادرة من الاحتلال رفعت العدد الإجمالي للنازحين في غزة، من 1.7 مليون في مايو إلى ما يقدر بنحو 1.9 مليون الآن، وفقًا للأمم المتحدة. وتشير التقديرات الآن إلى أن تسعة من كل 10 أشخاص تقريبًا في غزة قد نزحوا داخليًا، والعديد منهم نزحوا عدة مرات.
وأرجع أحدث تقييم أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) السبب في زيادة أعداد النازحين في غزة، إلى أوامر الإخلاء الصادرة عن جيش الاحتلال، والتدمير الواسع النطاق للبنية التحتية الخاصة والعامة جراء العدوان الإسرائيلي، وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية، والخوف المستمر من الأعمال العدائية المستمرة.
وتُشير شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، إلى أنه من غير الواضح عدد الأشخاص في مدينة غزة الذين استجابوا لأمر الإخلاء الأخير الصادر من جيش الاحتلال، إذ يشعر العديد من المدنيين بالقلق من مُغادرة أي مأوى لديهم في رحلة غير مؤكدة إلى مصير أكثر غموضًا، حيث يعيشون في الشوارع أو في قرى الخيام المكتظة وغير الصحية التي تظهر مع كل أمر تهجير.
ويزعم جيش الاحتلال أن أوامر الإخلاء ضرورية حتى لا يعلق المدنيون في عدوانه العسكري المتجدد على المناطق التي تسعى حماس إلى إعادة تواجدها فيها.
وقالت حماس من جانبها، إن عمليات التهجير الجديدة تهدد بإعادة المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار واتفاق المحتجزين إلى "نقطة الصفر".
ونقلت "سي. إن. إن" عن خضر الزعنون، الصحفي في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إنه في وقت متأخر من يوم الأحد، صدرت تعليمات من جيش الاحتلال للسكان في أحياء التفاح والبلدة القديمة والدرج بالانتقال إلى "ملاجئ معروفة في غرب مدينة غزة".
وقال "الزعنون"، إن عملية الإخلاء واسعة النطاق جاءت وسط غارات جوية وطائرات بدون طيار، وأضاف إن "القصف العنيف كان قريبًا والدخان يملأ السماء. كان الأمر مرعبًا، كان الناس يركضون، وكان بعضهم على كراسي متحركة، وكان الجميع في حالة ذُعر ولا يعرفون إلى أين يذهبون".
وأفاد الزعنون بأن الغارات استمرت طوال الليل، إلى جانب إطلاق النار المتكرر في المناطق التي كان الناس يحتمون بها. ولفت إلى أن الغارات الجوية استهدفت مبنى شاهقًا بالقرب من المكان الذي كان يحتمي فيه هو وأسرته والعديد من النازحين الآخرين.
وفي تلك اللحظة، وحفاظًا على حياة عائلته، قرر الزعنون مغادرة المكان والتوجه إلى منطقة الميناء غرب المدينة في رحلة مليئة بالمخاطر. ونشر الصحفي الفلسطيني صورًا لعائلته وهم يسيرون في الشوارع المدمرة، وهو يجر عربة أطفال مع ما تبقى من ممتلكاتهم.
وأكد جيش الاحتلال، أن أمر الإخلاء لأجزاء من مدينة غزة، هو الثالث خلال الأيام العشرة الماضية. وقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن حوالي 80 ألف شخص كانوا يعيشون في منطقة الشجاعية، عندما صدر أمر الإخلاء في 27 يونيو. كما تم إدراج 250 ألف شخص آخرين يعيشون في شرق خان يونس ورفح الفلسطينية ضمن أمر الإخلاء من قبل سُلطات الاحتلال في الأول من يوليو.
وفي ذلك اليوم، قال جيش الاحتلال، إنه يتعين على السكان المقيمين في 71 مجمعًا سكنيًا في شرق خان يونس ورفح الفلسطينية الإخلاء فورًا، باتجاه الغرب إلى ما يعرفه بـ "المنطقة الإنسانية" في المواصي.
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إن النازحين داخليًا "توجهوا نحو غرب خان يونس ودير البلح، وهما مكتظان بالفعل ويفتقران إلى الخدمات الأساسية والبنية التحتية الحيوية ومواد الإيواء والمساحات اللازمة لاستيعاب التدفق الجديد للنازحين".
وإلى جانب المخاطر الواضحة في الانتقال من جزء إلى آخر في غزة، فإن عمليات النزوح المستمرة تجعل من الصعب على وكالات الإغاثة استهداف توفير الغذاء. وقال برنامج الغذاء العالمي، أمس الاثنين، إن ما يقرب من نصف مليون شخص في غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إن أوامر الإخلاء تزيد من تعقيد التحدي اللوجستي المتمثل في توزيع المساعدات. وقالت إنه في الفترة ما بين 1 و4 يوليو، تم تسهيل مهمة واحدة فقط من أصل 13 مهمة مساعدات إنسانية مخطط لها بالتنسيق مع سلطات الاحتلال إلى شمال غزة، بينما تمت إعاقة أو إلغاء المهام الأخرى.
وقال المجلس النرويجي للاجئين، إن أوامر الإخلاء "تفتقر إلى ضمانات السلامة أو السكن الملائم أو العودة بمجرد انتهاء الأعمال العدائية لأولئك الذين أجبروا على الانتقال".
ووصفت مسؤولة الاتصالات في وكالة الأمم لغوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لويز ووتردج، رحلتها عبر خان يونس، أمس الاثنين، في منشور على منصة "إكس"، وكتبت: "ملاجئ مؤقتة بقدر ما ترون، عائلات تجمع المياه، وأطفال يبحثون في القمامة عن أشياء يأكلونها أو يبيعونها أو يحرقونها للطهي".