أمس الجمعة، وبعد أكثر من عقد، حقق حزب العمال البريطاني فوزًا ساحقًا على منافسه المحافظ، ليعادل -تقريبًا- الفوز القياسي الذي حققه زعيمه السابق، توني بلير، في عام 1997.
وعلى الرغم من الفوز الساحق الذي حققه، كانت حصة حزب العمال الإجمالية في الأصوات أقل بكثير مما كانت عليه في عامي 1997 أو 2001. كما كان إقبال الناخبين الفعلي على التصويت "هو ثاني أدنى مستوى خلال قرن من الزمن"، كما تشير صحيفة "بوليتيكو".
ومن بين الوعود المنكوث بها والثقة المكسورة، وفشل الخدمات العامة، وفواتير المنازل التي لا يستطيع المواطن الإنجليزي دفعها، وخيبة الأمل العميقة في الساسة والسياسة، اختنقت حكومة المحافظين غرقًا في الموجة العارمة التي لا تختلف كثيرًا عن الموجة التي تخنق حاليًا إيمانويل ماكرون في فرنسا، وربما قريبًا جو بايدن في أمريكا.
وتردد صدى انتصار كير ستارمر وحزبه، وانهيار ائتلاف المحافظين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عبر المحيط الأطلسي، باعتباره حدثًا نادرًا وسط موسم آخر من الاضطرابات الشعبوية.
للوهلة الأولى، يبدو أن النتيجة تتناقض بشكل صارخ مع الانتخابات الجارية في الولايات المتحدة، حيث يسعى الرئيس جو بايدن لتحقيق فوز جديد ضد دونالد ترامب، وفرنسا، حيث يحتل الفصيل الوسطي للرئيس إيمانويل ماكرون المركز الثالث ضد منافسيه من اليسار واليمين المتطرف.
لهذا، قام "الطريق الثالث" -وهو مركز أبحاث أمريكي- بتأليف مذكرة حللت نتائج الانتخابات البريطانية، باعتبارها "انتصارًا للكفاءة القاسية"، معتبرة حملة ستارمر "نموذجًا لقادة يسار الوسط" الذين يواجهون القومية اليمينية.
حياة مرهقة
بريطانيا ليست في وضع جيد، ارتفعت تكاليف المعيشة خلال السنوات الأخيرة، بينما الضرائب هي الأعلى منذ عام 1950. يبلغ متوسط تكلفة المنزل 281 ألف جنيه إسترليني -بزيادة قدرها 100 ألف تقريبًا خلال عقد من الزمن- وتضاعف مستخدمو بنك الطعام تقريبًا خلال خمس سنوات.
لدى خدمة الصحة الوطنية 7.6 مليون حالة تنتظر العلاج في إنجلترا وحدها، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وارتفع معدل الأمراض المزمنة بمقدار الثلث منذ الجائحة، ومن بين 3.4 مليون شخص يطالبون الآن بإعانة العجز الرئيسية في بريطانيا، يعاني أكثر من ثلثهم من اضطرابات نفسية، وطالت الوعود بإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية التي لم تتحقق قط، ومياه الصرف الصحي تتدفق إلى الأنهار أثناء هطول الأمطار الغزيرة.
وبحسب "بوليتيكو"لم يكن الأمر يتعلق باليسار أو اليمين، بل كان الشعار الانتخابي لحزب "العمال"، الذي تغذى على الشعور العميق بفشل الدولة، والذي أطاح بالمحافظين مجرد كلمة واحدة "التغيير"، بينما تطرق حزب "الإصلاح" إلى موضوع مماثل "بريطانيا مكسورة".
فجر جديد
بعد فوزه الساحق الشهير في الانتخابات عام 1997، قال توني بلير "لقد بزغ فجر جديد، أليس كذلك؟ إنه أمر رائع". في المقابل، جاء ستارمر كرئيس للوزراء، أمس الجمعة، ليقول: "إن بلادنا بحاجة إلى إعادة ضبط أكبر. إعادة اكتشاف من نحن."
مع هذا، يمكن القول إن انعدام الثقة في الطبقة السياسية، وخاصة بين المحافظين، بدأ في ظل حكومة حزب العمال الجديد بقيادة توني بلير، وكان دعم بلير لحرب العراق سببًا في تغذية شعور بين منتقديه.
وبينما قضى خصمه ريشي سوناك حملته الانتخابية التي استمرت ستة أسابيع وهو يعد بسياسات جديدة لافتة للنظر، ويصر على أن "خطته ناجحة"، قضى ستارمر حملته في إدارة التوقعات والسياسة النقدية.
ومثل رئيسة وزراء حزب المحافظين ليز تراس -التي حكمت 49 يومًا فقط- اعتمد ستارمر استراتيجيته بالكامل على تحقيق بريطانيا لنمو اقتصادي أعلى. ومع ذلك، فهو يدرك أنه يواجه اقتصادًا أكثر تباطؤًا بكثير مما واجهه بلير في عام 1997، مع استقرار الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا وارتفاع الدين الوطني إلى عنان السماء.
أيضًا، أصبحت السياسة الخارجية أكثر تعقيدًا هذه الأيام. فبينما كانت روسيا ذات النزعة العسكرية والعملاق الاقتصادي الصين دولتين صغيرتين نسبيًا في عام 1997، وكان دونالد ترامب في ذلك الوقت لا يزال منشغلًا بالعقارات؛ صارت موسكو وبكين خطرًا داهمًا على الغرب، وربما كان ترامب بدوره كذلك.
هكذا، يرى عضو مجلس اللوردات ديفيد بلانكيت، وهو وزير الداخلية السابق في حكومة بلير، أن التحدي الرئيسي هو خيبة الأمل المطلقة "ليس فقط فيما يتعلق بالسياسة، ولكن فيما يتعلق بقدرة الحكومة على تحقيق الإنجازات". كما أشار لصحيفة "بوليتيكو".
في الواقع، وصل انعدام الثقة في الحكومة إلى مستوى قياسي، وفقًا لمسح المواقف الاجتماعية البريطانية، الذي يقيس الرأي العام منذ عام 1983.
وقالت جيليان بريور، نائب الرئيس التنفيذي في المركز الوطني للبحوث الاجتماعية، إن اهتمامات الناس القصوى هي فيما يتعلق بتكلفة المعيشة والخدمات الصحية الوطنية، والتي ارتفع معدل عدم الرضا عنها من 25% في عام 2019 إلى 52% في الوقت الحالي.
لذا، يحذر بلانكيت من أن القليل من القرارات التي سيتم اتخاذها في الأشهر المقبلة ستؤتي ثمارها حتى عام 2026 على الأقل.
يقول: "يعني هذا أنه سيتعين على ستارمر أن يبدأ على الفور في إثبات أن مشروعه يتطلب فترتين مدة كل منهما خمس سنوات في منصبه. ما لم يتم توضيح ذلك، وما لم تكن هناك رواية واضحة للغاية، فسوف ينقلب الناس قريبًا على الحكومة".