الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحالف غير متوقع.. ثنائي بروكسل الجديد يعيد رسم خريطة أوروبا

  • مشاركة :
post-title
أنطونيو كوستا وأورسولا فون دير لاين

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يبدو أن بروكسل على موعد مع ربيع جديد من التعاون والانسجام، ففي قلب العاصمة الأوروبية، حيث تتشابك أروقة السلطة وتتقاطع مصالح 27 دولة، برز ثنائي غير متوقع ليقود دفة الاتحاد الأوروبي نحو آفاق جديدة، إذ تجسد أورسولا فون دير لاين، الألمانية ذات الجذور الأرستقراطية، مع أنطونيو كوستا، الاشتراكي البرتغالي المتواضع الأصول، صورة أوروبا المتنوعة والموحدة في آن واحد.

هذا التحالف الجديد، الذي كشفت عنه صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية في تقرير مفصل، يبشر بعهد من التناغم بين أهم مؤسستين في الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات من التوتر والانقسام.

نهاية عصر الخلافات

لسنوات، شهدت أروقة السلطة في بروكسل توترًا ملموسًا بين رئاسة المفوضية الأوروبية ورئاسة المجلس الأوروبي، إذ إنه وفقًا لتقرير "بوليتيكو"، بلغ الأمر حد التنافس الشخصي بين فون دير لاين والرئيس الحالي للمجلس الأوروبي، شارل ميشيل، وكانت العلاقة بينهما مشحونة لدرجة أنهما كانا يتجنبان الوجود في نفس المكان خلال الزيارات الدولية.

هذا التوتر لم يكن مجرد خلاف شخصي، بل انعكس سلبًا على أداء الاتحاد الأوروبي ككل، وفي خضم أزمات عالمية كجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، كان الاتحاد بحاجة ماسة إلى قيادة موحدة وفعالة. لكن بدلًا من ذلك، كانت هناك صراعات داخلية تعيق العمل المشترك.

اليوم، يبدو أن صفحة جديدة فُتحت مع ترشيح فون دير لاين وكوستا، فالعلاقة بينهما، كما يصفها مصدر مطلع لـ"بوليتيكو"، تتسم بالتناغم والاحترام المتبادل، وهذا التحول ليس مجرد تغيير في الأشخاص، بل يمثل فرصة حقيقية لتعزيز التعاون بين المؤسسات الأوروبية وتحسين فعالية صنع القرار في الاتحاد.

التنوع الأوروبي

لم يكن اختيار فون دير لاين وكوستا مجرد صدفة سياسية، بل انعكاس دقيق لفلسفة "الاتحاد في التنوع" التي يتبناها الاتحاد الأوروبي، إذ إن فون دير لاين، المنحدرة من عائلة ألمانية عريقة والمنتمية إلى حزب الشعب الأوروبي المحافظ، تمثل شمال أوروبا وتيارها اليميني الوسط، في المقابل، يأتي كوستا من خلفية متواضعة، وهو اشتراكي يمثل جنوب أوروبا.

هذا التنوع في الخلفيات والأيديولوجيات ليس عائقًا، بل هو نقطة قوة، فكما أوضح مصدر لبوليتيكو، فإن الثنائي يحترم معايير التنوع غير المكتوبة في تعيينات المناصب العليا بالاتحاد الأوروبي.

من الوباء إلى الحرب

لم تنشأ العلاقة الوثيقة بين فون دير لاين وكوستا من فراغ، بل تشكلت وتعمقت خلال فترة حرجة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، إذ إنه وفقًا لـ"بوليتيكو"، كانت فترة رئاسة البرتغال للمجلس الأوروبي في عام 2021 نقطة تحول في علاقتهما.

في تلك الفترة، واجه الاتحاد الأوروبي تحديات غير مسبوقة، إذ كانت جائحة كورونا في ذروتها، والحرب في أوكرانيا على وشك الاندلاع، وفي خضم هذه الأزمات المتلاحقة، عمل الثنائي "فون دير لاين وكوستا" جنبًا إلى جنب لإيجاد حلول أوروبية مشتركة.

كان إطلاق حملة التطعيم الشاملة ضد كوفيد-19 اختبارًا حقيقيًا لقدرتهما على التعاون، إذ إن فون دير لاين، التي وضعت سمعتها على المحك بوعدها بتطعيم 70% من البالغين في الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية صيف 2021، وجدت في كوستا حليفًا قويًا، إذ سخر رئيس الوزراء البرتغالي كل إمكانيات بلاده لدعم هذا الهدف الطموح.

مستقبل التعاون الأوروبي

مع ترشيح فون دير لاين وكوستا لقيادة أهم مؤسستين في الاتحاد الأوروبي، تلوح في الأفق فرصة ذهبية لتعزيز الوحدة والتعاون الأوروبي، ويشير التقرير إلى أن كوستا، على وجه الخصوص، يتمتع بسمعة طيبة في أوساط القادة الأوروبيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.

هذه القدرة على بناء الجسور بين مختلف الأطراف ربما تكون حاسمة في التعامل مع القضايا الشائكة التي تواجه الاتحاد، سواءً كان الأمر يتعلق بالهجرة، أو التغير المناخي، أو العلاقات مع القوى العالمية الأخرى، فإن وجود قيادة قادرة على بناء التوافق سيكون أمرًا حيويًا.

وفي المقابل، أشار تقرير بوليتيكو، إلى أن هناك تحديات محتملة قد تعترض هذا التحالف، أولها هو ضرورة حصول فون دير لاين على موافقة البرلمان الأوروبي لولاية ثانية، وثانيها هو الظلال التي قد تلقيها استقالة كوستا المفاجئة من رئاسة وزراء البرتغال وسط تحقيقات في قضية نفوذ.