أيام قليلة تفصلنا على نهاية العام الحالي، وما حمله من أزمات سياسية واقتصادية ضربت جميع البلاد والقارات.
مع دخول عام 2023 يبقى المشهد السياسي ضبابيًا حول عدد من المجريات، ولكن تبقى الحرب الروسية الأوكرانية هي محور الأحداث التي يترقبها العالم، وفي ظل استمرار هذه الحرب، لأجل غير معلوم، تبقى التحديات الاقتصادية والسياسية، خاصة بعد خروج العالم من مرحلة الإغلاق الكلي بعد تفشي وباء كوفيد-19، لتبرز أمامنا بعض مرحلة تغيرات جيوسياسية جديدة ومشهدًا عالميًا غير واضح معالمه، لكن مجريات الأحداث تنذر بعام 2023 سيكون الأصعب على دول عدة.
أزمات دولية
وفق دراسة لمركز ستراتفور، للدراسات الاستراتيجية والأمن الأمريكي، أوضح خلاله أن مستقبل النظام الدولي العالمي في ظل استمرار الحرب ربما ينتج عنه متغيرات عدة، أهمها "التآكل" التدريجي للنظام العالمي الذي يقوده الغرب، وربما ينتج عن ذلك حدوث أزمات عالمية عديدة، أهمها إعاقة الجهود الدولية في إدارة الأزمات، مثل التغير المناخي والتوترات الدبلوماسية بين الدول، في ظل حالة انقسام العالم بين فريقين، ومحاولة استقطاب الدول.
ستعمل واشنطن وحليفها الأوروبي على استقطاب حلفاء جدد في مواجهة روسيا والصين بشكل متزايد، بهدف ضمان حماية نفسها من الأنشطة الاقتصادية والأمنية والسياسية لخصومها؛ ما يؤدي بها جميعًا إلى التحايل على الأعراف الدولية المقبولة سابقًا، وتقليل أهمية المؤسسات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية.
الحماية الاقتصادية
وفق تقرير مركز الدراسات الأمريكي، فإن الحكومات الغربية ستتبنى تدابير حمائية لدعم صناعاتها وستكون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متحالفين بشكل وثيق على عدد من الجبهات، على الرغم من احتمالية ظهور توترات ثنائية بينهما في العام المقبل.
فعلى الرغم من إمكانية فشل الرئيس بايدن لتمرير خطة رفع قواعد ضريبية عالمية جديدة عبر الكونجرس، التي تُمثّل أولوية قصوى لأوروبا، فإن أوروبا ستسعى دائمًا للاحتماء مع واشنطن، في ظل تصاعد التوترات العالمية وتأثيرها في زعزعة اقتصاد القارة.
في غضون ذلك، ستؤدي الأولويات المختلفة للغرب والعالم النامي بقيادة الصين إلى تقويض مفاوضات المناخ الدولية، والجهود التي تبذلها الدول لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة العالمية. ومن ثم سيدفع ذلك مزيدًا من الحكومات الغربية إلى تبني تدابير اقتصادية حمائية لدعم صناعاتها.
من جهة أخرى، ستتجه أوروبا إلى مزيد من الاستقلالية الاستراتيجية، ولفت تقرير "ستراتفور" إلى أن المفوضية الأوروبية ستركز سياستها على حماية الاتحاد من أزمات الطاقة وارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى السعي إلى زيادة استقلاليتها في مجالات مثل التكنولوجيا والمواد الخام؛ إذ ستخفف بروكسل من القواعد المتعلقة بالديون السيادية للدول الأعضاء والعجز المالي، للتركيز على أهداف خفض الديون الطويلة الأجل، والسماح للحكومات بالحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق على المدى القصير، للتعامل مع الانكماش الاقتصاد.
مستقبل الحرب
أما فيما يتعلق بأزمة الحرب الروسية-الأوكرانية، فوفق تقرير "ستراتفور"، فإن احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق نار في كييف يتضاءل كل يوم، ومن المرجح أن تستمر الحرب خلال العام المقبل، ولكن من المتوقع أن تتوقف الحرب عند مرحلة الجمود ولا يحقق أي من الطرفين أي مكاسب كافية، تمكنه من تقويض الموقف والتفاوض بصورة قوية أمام خصمه.
توقع المركز البحثي أن يستمر الجانبان في شن الهجمات العسكرية بوتيرة متزايدة، ومن المتوقع أن تركز القوات الأوكرانية، بمساعدة عسكرية ثابتة من الحلفاء الغربيين، هجومها جنوبًا باتجاه بحر آزوف لعزل القوات الروسية في الممر البري إلى شبه جزيرة القرم.
لكن من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى طرد القوات الروسية، وستكثف أوكرانيا ضرباتها على أهداف داخل روسيا، على أمل تآكل الدعم للحرب.
من جانبها، ستواصل روسيا حملتها لتدمير البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، مع التركيز على الكهرباء والماء والاتصالات، ما سيؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة في أوكرانيا وتدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي.
الجبهة الجديدة
في الوقت نفسه يوضح تقرير "ستراتفور" أن القوات الروسية ستعمل على تمركزها داخل بيلاروسيا وعلى طول الحدود الشمالية والشرقية لأوكرانيا، لكن بيلاروسيا لن تنضم إلى الحرب إلى جانب روسيا، ومن غير المرجح أن تشن روسيا هجومًا جديدًا من بيلاروسيا؛ إذ ستركز موسكو بدلًا من ذلك على تعزيز وجودها في الجنوب الشرقي لأوكرانيا.
المارد الصيني
تناول التقرير الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الصين، ويتوقع أن يتعافى النمو الاقتصادي في الصين ببطء، وسيكون مقيدًا بفعل التدقيق التنظيمي المستمر على قطاع التكنولوجيا، والجهود المبذولة للحد من تعثر قطاع العقارات.
أما فيما يتعلق بقيود كورونا وسياسة زيرو إصابات، فتوقع "ستراتفور" أن تخفف بكين قيودها الصارمة بشأن فيروس كورونا خلال العام المقبل؛ ما يسمح بتعافٍ معتدل للاستهلاك المحلي، لكن الزيادة المتوقعة في الإصابات الجديدة، ربما تضعف النمو مؤقتًا، وتدفع السلطات إلى إحياء بعض القيود، إذا ارتفعت معدلات الوفيات بشكل كبير.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تنشيط الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد؛ لذلك ستتجه الحكومة الصينية نحو سياسة الدعم النقدي في محاولة لإنعاش الاستهلاك. ولكن التأثير ربما يكون محدودًا؛ فمن المرجح أن يظل قطاع العقارات الذي يمثل معظم ثروات الأسر الصينية منكمشًا وسط جهود بكين لتقليص المديونية، ما يؤثر في ثقة المستهلك.
وعلى الرغم من أن قطاع التكنولوجيا الصيني قد يتعافى إلى حد ما من حالة الركود التي شهدها في عام 2022، إلا أن تعافيه سيكون محدوداً، مع استمرار تسريح العمال في الوظائف المؤقتة، وفق تقرير "ستراتفور".
أما فيما يتعلق بأزمة تايوان، فوفق العهد الأمريكي، ستعمل بكين على استمرار التدريبات العسكرية الصينية حول تايوان، ما سيجعل الغرب يستمر في سياسته بتعميق العلاقات الدبلوماسية والدفاعية مع تايوان، ويؤدي هذا الأمر إلى التهديد العسكري الصيني على الجزيرة التايوانية، بما في ذلك زيادة تحليق الطائرات الدفاعية، والقيام بمزيد من التدريبات العسكرية حول الجزيرة. لكن الاقتصاد الضعيف في الصين والتحديث العسكري غير المكتمل، من شأنه أن يردع بكين عن الإقدام على عمل عسكري في تايوان خلال هذه المرحلة.