في ظل استعداد الأوروبيين للاحتفالات بـ"الكريسماس" ورأس السنة الميلادية الجديدة، يستعد الساسة في الاتحاد الأوروبي لصراع طويل الأمد ومتعدد الجوانب مع روسيا، وهو صراع ممتد ينخرط فيه سياسيو أوروبا لما وراء الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ في فبراير الماضي، ويسعى من خلاله فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، إلى "تفتيت" أوروبا بآليات ثلاث.
وأشار راديك سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي السابق، إلى أنه من الصعب تخيل حل وسط للأزمة الروسية- الأوكرانية، في الوقت الراهن، إذ يبدأ "بوتين" بالانسحاب من جميع الأراضي الأوكرانية، والاعتراف فعليًا بالهزيمة، وبالمثل من غير المرجح أن يفكر فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني، في التنازل عن أي إقليم أوكراني، متوقعًا أن يظل "الصراع طويل الأمد".
والآليات الثلاث التي يركز عليها الرئيس الروسي "بوتين" لـ"تفتيت" أوروبا وكسر وحدة التحالف الغربي الذي يدعم ويزود أوكرانيا بالسلاح، بحسب مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أوّلها توليد موجة أخرى من اللاجئين الأوكرانيين الذين يغادرون إلى دول الاتحاد الأوروبي، ثانيها استخدام إمدادات الطاقة لإضعاف العزيمة الغربية مما يؤثر على إمدادات الغذاء والتي تكسب أوروبا نفوذًا سياسيًا دوليًا، وآخرها أن يساهم التضخم الذي تسببت فيه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في عدم استقرار سياسي بدول الاتحاد.
توليد اللاجئين
بالنسبة لتوليد اللاجئين لأوروبا يوضح "ليونارد"، لمركز أبحاث "بروجيكت سينيكات"، أن 30٪ من الأوكرانيين بالفعل عاطلون عن العمل، ما دفع "زيلينسكي" لمطالبة اللاجئين بعدم العودة هذا الشتاء، إذ يمثل الـ14 مليونًا الذين نزحوا هذا العام من أوكرانيا أكبر عدد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، متسائلًا ما إذا كان كرم الأوروبيين تجاه اللاجئين الأوكرانيين سيستمر؟.. وأكد أن عدد اللاجئين في بلد مثل بولندا مرتفع للغاية، إذ إن نحو 8٪ من سكان البلاد ولدوا خارج الأراضي البولندية، لدرجة أن بعض المعلقين يشيرون إليها الآن على أنها دولة ثنائية القومية، مما ينذر بعواقب وخيمة. وأشار إلى أن بولندا أنفقت على استضافة اللاجئين أكثر من ضعف ما أنفقته على تقديم المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية لأوكرانيا، لافتًا إلى أن بولندا ليست الوحيدة التي تستضيف اللاجئين الأوكرانيين، هناك أيضًا ألمانيا التي استقبلت الآن أكثر من مليون أوكراني، بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى.
تكتيكات الطاقة
أما عن تكتيكات "بوتين" في استخدام إمدادات الطاقة لإضعاف العزيمة الغربية وإمدادات الغذاء والأسمدة لضعف النفوذ السياسي الأوروبي على المستوى الدولي، يُظهر تحليل لمجلة "إيكونوميست" أن ارتفاع الأسعار الناجم عن حرب الطاقة التي شنها "بوتين" قد تتسبب في أكثر من 100 ألف حالة وفاة زائدة في جميع أنحاء أوروبا هذا الشتاء، وهو رقم يتجاوز إجمالي عدد القتلى في ساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا حتى الآن.
الآلية الثالثة "لتفتيت" أوروبا هي مساهمة التضخم، الناتج مباشرة لحرب الطاقة التي شنها بوتين في أوروبا، في عدم الاستقرار السياسي بأوروبا من خلال زيادة الضغط على الاقتصادات التي كانت مثقلة بالفعل بسبب النمو المنخفض ونقص العمالة وآثار النزاعات التجارية المستمرة.