صاغ الممثل الراحل محمود عبدالعزيز ملامح مشواره الفني الخاصة بفلسفة الاختيار لأدواره المميزة، فالنجم الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ78 لم يوافق على أن يبقى أسيرًا لشخصيات الفتى الرومانسي الوسيم، رغم أن السينما وقت ظهوره في سبعينيات القرن الماضي، كانت تفتح أبوابها بشدة لمثل هذه النوعية من الأدوار والأفلام، وبالتالي كان نجاحه فيها مضمونًا إلى حد كبير.
"معظم أنواع الفشل تحدث بسبب عدم الاختيار لا بسبب الاختيار الخاطئ"، إحدى مقولات الأديب الراحل طه حسين، التي مع التأمل في كلماتها نجد أنها تفسر سر المكانة التي وصل إليها محمود عبدالعزيز في قلوب محبيه بالوطن العربي، فالممثل المصري كان من السهل أن يواصل تقديم أدوار الشاب الوسيم بأعماله الفنية المختلفة، ورغم أن ذلك الاختيار الخاطئ لم يكن يمنع نجاحه لفترة زمنية محددة، سرعان من تنتهي مع وصول الشيب إلى شعر رأسه وعدم ملائمته لتجسيد مثل هذه النوعية من الأدوار، إلا أنه حرص على أن يكون عمره الفني أطول بإجادة الاختيار منذ البداية.
سنوات أولى في عالم التمثل جسد خلالها محمود عبدالعزيز أدوار الشاب الرومانسي الوسيم، منها "الحفيد، وادي الذكريات، البنت الحلوة الكدابة، حتى آخر العمر، والمتوحشة"، إلا أن ذكاءه الفني ورغبته في التعبير عن موهبته أكثر دفعاه إلى تقديم نوعية مختلفة، ليشارك بفيلم "وكالة البلح" عام 1982 مُجسدًا دور "عبدون" الشاب الفقير ذو الملابس الرثة الذي يعمل صبيًا لدى المعلمة "نعمة الله" أو نادية الجندي في وكالة البلح ويقع في حبها.
في العام نفسه قدم محمود عبدالعزيز واحدًا من أبرز أدواره في السينما بفيلم "العار"، مجسدًا شخصية د. عادل طبيب الأمراض العصبية الذي يتورط مع أشقائه في تجارة المخدرات، ليصبح ذلك العام نقطة تحول في مشواره الفني، ويقدم لصناع السينما أوراق اعتماد جواز عبوره أدوار الفتى الرومانسي التي عاد إليها أحيانًا في أعمال أخرى.
بدخول نجم مسلسل "رأفت الهجان" مرحلة تجسيد أدوار درامية شديدة الصعوبة، أثبت للنقاد ولصناع السينما أن طاقته التمثيلية لا حدود لها، وكأنه يرد على أحد المخرجين الكبار الذي قاله له في بداية مشواره الفني: "أنت لا تصلح ممثلًا.. أوجد لنفسك عملًا آخر"، هذه الكلمات التي أحبطته فترة ليست بالقصيرة، لكن صدفة لقائه بالمخرج والممثل نور الدمرداش فتحت له أبواب الأمل مرة أخرى لتحقيق حلمه.
دأب الممثل الذي ولد 4 يونيو 1946 على تجسيد أدوار وشخصيات متنوعة بالسينما المصرية، بعضها يعد مرجعًا لكثير من الفنانين قبل تجسيدهم أدوار مماثلة، منها شخصية "الشيخ حسني" في الفيلم الأشهر "الكيت كات" الصادر عام 1991 ومأخوذة عن رواية "طائر الليل الحزين"، إخراج داود عبد السيد، الذي وصفه في الكثير من حواراته الإعلامية بأنه نجم وممثل لن يتكرر.
من أجل تجسيد شخصية "الشيخ حسني" ذهب بطل الفيلم إلى معاهد للمكفوفين، والتقى شخصيات مشابهة، كما أخذ آراء أطباء نفسيين، وبذل فيه مجهودًا كبيرًا ليخرج بذلك الأداء المتفرد، ويفوز عنه بـ5 جوائز أفضل ممثل بمهرجانات مختلفة منها الإسكندرية ومهرجان دمشق.
ابتعد محمود عبدالعزيز عن أدوار الفتى الوسيم في العديد من أعماله السينمائية، ليغير من ملامح وجه تمامًا مثلما فعل في شخصيات "عايش سعيد" في فيلم "أبو كرتونة"، و"عبدالقوي شديد" الذي يعمل بمهنة التنجيد في فيلم "جري الوحوش"، و"خليل" في فيلم "خليل بعد التعديل"، وأيضا الأمر نفسه نفذه في الدراما التلفزيونية بمسلسلات منها "البشاير" مجسدا شخصية الفلاح أبو المعاطي شمروخ.
ويبقى في مشوار محمود عبد العزيز الفني دور "عبد الملك زرزور" بفيلم "إبراهيم الأبيض" الذي وصفه الفنان الراحل في أحد الندوات بأنه من أصعب الأدوار التي قابلته في مشواره الفني، ليصيغه بتفاصيل خاصة، فمن ناحية الشكل أطلق لحيته وارتدى خاتما مميزا يدل على الهيبة وحلق شعر رأسه قليلا، أما بالنسبة لأدائه التمثيلي فقد اعتمد على صوت مبحوح ونظرات مخيفة، ليظهر أداء صادقا لشخصية تاجر مخدرات غليظ القلب وقاتل ويتلذذ بعذاب الأخرين رغم أنه أيضا يقع في حب فتاة صغيرة ويصبح أسيرا لها.