يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على إنشاء منطقة عازلة وسط غزة، عبر تحصين ممر "نتساريم" الذي شقّه لتقسيم القطاع إلى شطرين، ويعد جزءًا من مشروع واسع النطاق لإعادة تشكيل غزة، وترسيخ الوجود العسكري فيها، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وممر "نتساريم" هو طريق يمتد من المستوطنات جنوبًا إلى البحر الأبيض المتوسط، بطول يبلغ نحو 6 كيلومترات، ويفصل مدينة غزة شمالًا عن باقي القطاع، ويقول جيش الاحتلال إن الطريق يسهل على المركبات العسكرية السفر من أحد جانبي القطاع إلى الآخر في سبع دقائق فقط، ما يتيح للجنود الوصول بسرعة ودون عوائق إلى شمال ووسط غزة.
ويعود اسم "نتساريم" إلى مستوطنة إسرائيلية كانت على الطريق الساحلي لغزة، ضمن مشروع أطلقه رئيس الوزراء السابق أرييل شارون لتقسيم القطاع إلى أجزاء تحت سيطرة إسرائيل، لكن الخطة لم تنفذ سوى جزئيًا قبل أن يأمر شارون بالانسحاب من غزة عام 2005.
وكشفت صور حللتها "واشنطن بوست"، أن قوات الاحتلال تحصن الممر وتبني به قواعد وتستولي على مبانٍ مدنية وتدمر المنازل القريبة منه.
وتضع حركة حماس الانسحاب الإسرائيلي من ممر "نتساريم" مطلبًا أساسيًا، في مفاوضات وقف إطلاق النار.
لكن حتى مع استمرار المفاوضات على مدى الشهرين الماضيين، ظلت قوات الاحتلال تنشئ مواقع عسكرية جديدة في الممر، آخرها 3 قواعد عمليات منذ شهر مارس الماضي، حسبما تظهر صور الأقمار الاصطناعية التي فحصتها "واشنطن بوست"، وتوفر أدلة حول خطط الاحتلال.
وفي البحر، يلتقي الطريق بنقطة تفريغ كبيرة للرصيف العائم الذي تنشئه الولايات المتحدة لجلب المساعدات إلى غزة.
وقال مايكل هورويتز، رئيس الاستخبارات في شركة "لو بيك إنترناشيونال"، إن "حقيقة أن الرصيف يقع في نهاية الممر الذي يسيطر عليه جيش الاحتلال يشير إلى أنه يريد السيطرة على تدفق المساعدات".
وتمنح السيطرة على ممر "نتساريم" جيش الاحتلال تفوقًا استراتيجيًا، وتسمح لقواته بالانتشار بسرعة في أنحاء القطاع، كما أنها تتيح له السيطرة على تدفق المساعدات وحركة النازحين الفلسطينيين، وهو ما يدعى الاحتلال أنه ضروري لمنع حماس من إعادة تجميع الصفوف.
وحسب تحليل أُجري في الجامعة العبرية، فقد تم تدمير ما لا يقل عن 750 مبنى فيما يبدو أنه جهد منهجي لإنشاء "منطقة عازلة" تمتد لمئات الأمتار على جانبي الطريق، فضلًا عن تدمير 250 مبنى آخر في منطقة الرصيف العائم.
ورفض جيش الاحتلال التعليق على هدم المباني المحيطة بالممر، قائلًا إنه لا يستطيع الإجابة على الأسئلة العملياتية خلال الحرب المستمرة، حسب "واشنطن بوست".
ونقلت الصحيفة عن خبراء، إن هذه الخطوة جزء من عملية إعادة تشكيل واسعة النطاق وطويلة المدى لجغرافية غزة، تذكر بالخطط الإسرائيلية السابقة لتقسيم القطاع إلى جيوب أصغر يسهل السيطرة عليها.
وينفى جيش الاحتلال نيته البقاء في غزة بشكل دائم، لكن شقّ الطرق وتحصينها وإنشاء المناطق العازلة في الأشهر الأخيرة، قد يشير إلى دور متزايد لجيش الاحتلال في القطاع بعد الحرب على ما يبدو.
ويقول محللون عسكريون إن فترة طويلة من الاحتلال العسكري تبدو مرجحة بشكل متزايد، في ظل غياب خطط أخرى للحكم في غزة ما بعد الحرب.
ولم يصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوى القليل من الخطط الملموسة لما يسمى "اليوم التالي للحرب في غزة"، لكنه تعهد مرارًا وتكرارًا بالحفاظ على السيطرة الأمنية "إلى أجل غير مسمى" على القطاع.
وبالإضافة إلى شنّ غارات من الخارج، قد تحتاج قوات الاحتلال إلى "الوجود داخل غزة" لضمان تجريد حركة حماس من السلاح، حسبما زعم نتنياهو في مقابلة بوقت سابق من هذا الأسبوع.
ويقسم الممر الطريقين الرئيسيين الوحيدين في غزة طريق صلاح الدين، في وسط المنطقة، وطريق الرشيد على طول الساحل. ونقلت "واشنطن بوست" عن النائب السابق لقائد فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال إمير أفيفي، إن "ما نحتاج إليه هو حرية العمل الكاملة بكل مكان في غزة".