انطلقت في العاصمة البحرينية المنامة، أمس الخميس، أعمال القمة العربية الثالثة والثلاثين، فمنذ بدء القمم العربية العادية والطارئة في القاهرة عام 1946، تستضيف المنامة للمرة الأولى اجتماع مجلس الجامعة على مستوى القمة في دورته العادية الـ 33. وتأتي هذه القمة ضمن ظروف استثنائية إقليمية ودولية بالغة التعقيد وتهديدات للأمة العربية، حيث تضمن جدول أعمال هذه القمة عدة بنود رئيسية تتناول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل العربي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأمنية.
وفي ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل ليقدم قراءة توضح فهم ما تمخض عن هذه القمة من بيان ختامي عبر الإجابة عن تساؤل مثار من جانب كثيرين؛ ما الجديد الذي تحمله قمة المنامة؟ ويمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال استعراض النقاط الأساسية التالية:
حضور يعكس الاهتمام
حرص أكثر من ثلثي القادة العرب على حضور قمة المنامة، وحتى الدول التي لم يحضر قادتها، حضر عنها تمثيل رفيع المستوى بالنسبة لها. هذا بالإضافة إلى حضور كبير لوزراء الخارجية العرب في القمة، إذ بلغ عددهم 21 وزيرًا من أصل 22 دولة عربية، ويعتبر ذلك الأعلى في تاريخ القمم العربية. ويتأكد ذلك مع ما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية البحريني بعد اختتام القمة، إن الدورة الحالية شهدت "حضورًا غير مسبوق" من الحكومات والدبلوماسيات العربية، وكانت بعيدة كل البعد عن الخلافات والتجاذبات.
توقيت حرج
جاءت القمة العربية الثالثة والثلاثون في ظرف استثنائي حرج وتوقيت صعب، فقد أكد وكيل الوزارة للشؤون السياسية بوزارة خارجية مملكة البحرين الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة خلال اجتماع المندوبين الدائمين بالجامعة العربية التحضيري، إن القمة العربية تأتي "في ظرف استثنائي حرج، وتوقيت صعب، بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه العالم العربي، ويأتي في مقدمتها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما آلت إليه الأوضاع الإنسانية المؤلمة في القطاع، ومعاناة الأهالي الأبرياء من عمليات القتل والجوع والحصار، وتدمير البنى التحتية، في ظل ازدواجية المعايير الدولية".
وتبدو الأمور حاليا أكثر تعقيدًا، مع تعثر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في وقت تتواصل فيه المعارك في مناطق عدة من غزة، مترافقة مع قصف إسرائيلي عنيف على القطاع، ما دفع موجات جديدة من الفلسطينيين إلى النزوح. وتشهد مدينة رفح في جنوب القطاع المحاصر اشتباكات وقصفًا إسرائيليًا دفع 450 ألف شخص إلى النزوح منها، وفق الأمم المتحدة التي تقول إنه "لا مكان آمنًا" في غزة.
أهم الدلالات
تكشف قراءة البيان الختامي لقمة المنامة عن عدد من الدلات، يأتي في مقدمتها ما يلي:
(*) هيمنة القضية الفلسطينية على باقي القضايا العربية في الوقت الراهن:
شهدت القمة العربية الـ 33 في المنامة، هيمنة واضحة للقضية الفلسطينية على جدول أعمال القمة وبيانها الختامي ومداولاتها ومخرجاتها. فقد أكد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية في مؤتمر صحفي ختامي إنه "منذ عام 2004 ولم نشهد في أي قمة عربية سابقة هذا التركيز البالغ على القضية الفلسطينية كما حدث في قمة البحرين". وتتأكد هذه الهيمنة في أن نصف بنود البيان الختامي للقمة خُصصت للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يتبين منه اقتناع القادة والحكومات العربية بالحاجة الملحة للتركيز على هذه القضية المركزية.
فقد أكد بيان القمة العربية الـ 33 في البحرين "إصدار دعوة جماعية لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ويجسد الدولة الفلسطينية المستقلة"، كما طالب "بنشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية حتى إعلان دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس".
وصدر بيان خاص حول القضية الفلسطينية من قبل القادة العرب في ختام القمة. وتضمن هذا البيان العديد من المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، مثل مطالبة إسرائيل بالانسحاب الفوري من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في غزة، ووقف كافة محاولات التهجير القسري، وإنهاء كافة صور الحصار، والسماح بالنفاذ الكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية إلى القطاع. وشدد القادة العرب، في بيان منفصل في ختام القمة، على استمرارهم في دعم الشعب الفلسطيني بكافة الصور في مواجهة هذا العدوان، ودعوا المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة إلى تخطي الحسابات السياسية والمعايير المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية والاضطلاع بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية المنوطة بها في مواجهة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، وتوصيفها بشكل واضح باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ودعا القادة العرب إلى تفعيل دور الآليات الدولية المعنية لإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
(*) استمرار تعدد وتعقد الأزمات في المنطقة العربية: تشهد المنطقة العربية في السنوات الأخيرة عددًا من الأزمات متزامنة الحدوث منذ أحداث الربيع العربي؛ فهناك الأزمة السورية، والأزمة اليمنية والأزمة الليبية، الأزمة اللبنانية، ومن قبلها بطبيعة الحال الأزمة المرتبطة بالقضية الفلسطينية الممتدة التداعيات منذ ما يقرب من 76 سنة. فهذه الأزمات المتفرقة وعلى رأسها الحرب على غزة، تزداد حدة وشدة كل يوم بشكل يهدد أمن واستقرار الوطن العربي كله من الخليج إلى المحيط. وهو الأمر الذي تعكسه المِلفاتِ المطروحة على القادة العرب في قمة المنامة، فالشقُ السياسي الأمني يحتلُ نحوَ 70% من هذه الملفات. وللتعامل مع هذه الأزمات، تضمن جدول أعمال القمة بندًا حول الشؤون العربية والأمن القومي، يشتمل موضوعات بشأن هذه الأزمات؛ من بينها التضامن مع لبنان، وتطورات الوضع في سوريا، ودعم السلام والتنمية في السودان، وتطورات الوضع في ليبيا، وآخر المستجدات في الملف اليمني.
فقد أكد بيان القمة العربية الـ 33 في البحرين على إنهاء "الأزمة السورية" وفق القرار 2254، رافضًا أي تدخل في شؤونها الداخلية وأي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية فيها. وعلى صعيد الشأن السوداني، دعت "دول القمة، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى الانخراط المباشر في مبادرات تسوية الأزمة". وجددت الدول العربية "دعم مجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية برئاسة رشاد محمد العليمي، ومساندة جهود الحكومة اليمنية في سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية بين مكونات الشعب اليمني، ووحدة الصف اليمني، تحقيقًا للأمن والاستقرار في اليمن" هذا وأعربت الدول العربية عن "دعمها الكامل لدولة ليبيا وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية، وخروج كافة القوات الأجنبية من أراضيها في مدى زمني محدد".
إجمالًا، يمكن القول إن قمة المنامة جاءت في ظرف استثنائي بحكم ما تشهد المنطقة من أزمات وتحديات؛ أحدثها ما يرتبط بتداعيات الحرب على غزة. وربما يوفر هذا الظرف فرصة للدول العربية تتمثل في تحقيق المزيد من استعادة وحدة الصف والموقف العربي بما يعزز التضامن العربي في التغلب على هذه الأزمات. وهو الأمر الذي جسدته قمة المنامة التي جاءت مباحثاتها وبياناتها بعيدة كل البعد عن الخلافات والتجاذبات كما صرح بذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية.
فمن شأن ذلك تعزيز الموقف العربي في التعامل مع القوى العالمية، والمنظمات الدولية في تنفيذ ما جاء في البيان الختامي لقمة المنامة بشأن تلك الأزمات. فعلى سبيل المثال، يتطلب تنفيذ ما دعا إليه البيان الختامي لجامعة الدول العربية فيما يتعلق بنشر قوات دولية في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين، موافقة مجلس الأمن الدولي على ذلك. فتشكيل بعثات حفظ السلام يعتمد على أمور عدة؛ إحداها تفويض من مجلس الأمن؛ وبطبيعة الحال، سيتعين على المجلس أن يوافق على ذلك، بالإضافة تحقق شروط أخرى على الأرض، بما في ذلك قبول الأطراف لوجود قوات الأمم المتحدة.