في إطار سعيها لتعميق علاقاتها مع دول الجنوب العالمي، وإظهار التزامها تجاه الاقتصادات الناشئة في آسيا وإفريقيا، أرسلت اليابان كبير دبلوماسييها في جولة سريعة إلى دول الجنوب العالمي في الأيام الأخيرة، مواصلة تنافسها مع الصين على النفوذ.
ذكرت وكالة الأنباء اليابانية "كيودو"، أن وزيرة الخارجية يوكو كاميكاوا بدأت جولتها، التي تستغرق 10 أيام، منذ السبت الماضي، من جزيرة مدغشقر الواقعة في المحيط الهندي، قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، حيث ناقشت التعاون الاقتصادي واستراتيجية اليابان "الحرة والمفتوحة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وهي رؤية تتقاسمها مع واشنطن تؤكد خلالها على التجارة المفتوحة والأمن البحري وسيادة القانون.
وزارت وزيرة الخارجية ساحل العاج بعد ذلك، ثم نيجيريا في اليوم التالي، وأنهت الأسبوع في فرنسا قبل التخطيط للتوقف في سريلانكا ونيبال خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ماذا تريد طوكيو؟
وذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصادرة عن هونج كونج، أن طوكيو تهدف إلى تضييق فجوة التنمية بين دول الجنوب العالمي (مصطلح يشير إلى مجموعة كبيرة من الدول النامية).
وقالت سيلين باجون، رئيسة أبحاث اليابان في مركز المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية للدراسات الآسيوية والهندية والمحيط الهادئ في باريس، إن الاعتبارات الاستراتيجية كانت في مقدمة اهتمامات وزير الخارجية خلال الزيارات، مشيرة إلى أن خطة اليابان الحرة والمفتوحة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ كانت ذات أهمية خاصة لمدغشقر، نظرًا لموقع الجزيرة في غرب المحيط الهندي، التي تفصلها عن القارة الإفريقية قناة موزمبيق.
ويستخدم الممر المائي الاستراتيجي الذي يبلغ طوله 1700 كيلومتر في المقام الأول للتجارة ونقل موارد الطاقة والمعادن، لكن تهريب المخدرات والصيد غير القانوني والقرصنة أصبح أيضًا من ضمن المشكلات في السنوات الأخيرة.
وأكدت "باجون"، في إشارة إلى ميناء مدغشقر الرئيسي، أن اليابان تسعى بالتالي إلى تعزيز الاتصال البحري والأمن، من خلال الاستثمارات في ميناء تواماسينا وتوفير زوارق الدورية، مضيفة أن الأمن الاقتصادي هو أحد الاعتبارات الرئيسية الأخرى خاصة أن الجزيرة غنية بالموارد الطبيعية والمعادن مثل النيكل.
الصراع الصيني الياباني
تاريخيا.. أطلقت اليابان مؤتمر "تيكاد" في عام 1993، لتصبح أول دولة آسيوية تقيم علاقات أوثق مع إفريقيا من خلال إطار مؤسسي، وفقًا لما ذكره بورنيندرا جاين، الأستاذ الفخري في قسم الدراسات الآسيوية بجامعة أديلايد والمتخصص في الدراسات اليابانية.
أما الجهود التي بذلتها بكين ونيودلهي (منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2000، وقمة المنتدى الهندي الإفريقي عام 2008) فقد جاءت في وقت لاحق بالمقارنة بالجهود اليابانية.
وقال زميل زائر في معهد جامعة سنغافورة الوطنية: "إن النفوذ المالي والنفوذ السياسي للصين هائلان، ويتجاوز قدرة اليابان على مضاهاة الدعم المالي الذي تقدمه الصين لإفريقيا، ولا تنوي القيام بذلك".
وألمح باحث آخر مختص في الشأن الياباني، أنه "ومع ذلك، فإن نهج طوكيو تجاه إفريقيا كان مدروسًا ودقيقًا ومتوازنًا، وقد أشركت طوكيو العديد من أصحاب المصلحة الآخرين في حوار مؤتمر طوكيو الدولي المعني بالتنمية في إفريقيا".
ووفقا لآخر البيانات، فإن تجارة الصين مع إفريقيا بلغت 282 مليار دولار أمريكي العام الماضي، أي ما يقرب من 12 ضعف حجم التجارة اليابانية مع القارة البالغة 24 مليار دولار أمريكي كل عام.
ومع ذلك، فإن المساعدات أكثر تطابقًا، حيث تعهدت اليابان بتقديم 30 مليار دولار أمريكي لإفريقيا في عام 2022، بعد عام من وعد الصين بمبلغ 40 مليار دولار أمريكي في شكل قروض ومساعدات.
وقال أوفيجوي إيجويجو، محلل السياسات في شركة "ديفيلوبمنت ريماجيند" -استشارات التنمية الدولية التي تقودها إفريقيا-: "إلى جانب التجارة، تهدف اليابان إلى تعميق بصمتها السياسية والدبلوماسية في إفريقيا في وقت تتحدث فيه الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي بصوت أعلى في الساحة الدولية".
وأوضحت شينيتشي تاكيوشي، مدير مركز الدراسات الإفريقية بجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية، إن زيارة كاميكاوا لإفريقيا جاءت في الوقت المناسب نظرًا لانخفاض السخاء المالي للصين تجاه القارة في السنوات الأخيرة.
وانخفضت القروض الصينية لإفريقيا إلى 2.22 مليار دولار أمريكي في الفترة 2021-2022، وفقًا للبيانات التي جمعها مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن وتم الإبلاغ عنها في سبتمبر الماضي.