فيما تُعتبر واحدة من أسوأ النتائج لحزب المحافظين في الانتخابات المحلية البريطانية منذ 40 عامًا، تكبّد الحزب الحاكم خسائر فادحة على يد حزب العمال في مختلف أنحاء إنجلترا وويلز، إذ أثارت تلك النتائج المدوية الكثير من التساؤلات حول مستقبل رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، ومدى قدرته على قيادة حزبه في الانتخابات العامة المقبلة.
نكسة تاريخية للمحافظين
بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، تعرض ريشي سوناك، وحزبه الحاكم لضربة قاصمة على يد المعارضة العمالية، وقد لاحظ خبراء الاستطلاعات أن خسائر المحافظين في جميع أنحاء إنجلترا وويلز تصنف على أنها "واحدة من أسوأ النتائج إن لم تكن الأسوأ" لهذا الحزب التاريخي منذ الثمانينيات، إذ جاءت هذه الصفعة غير المتوقعة في أوقات حرجة للغاية بالنسبة لسوناك، فيما يواجه ضغوطًا متزايدة لإعادة تشكيل حكومته بشكل جذري أو حتى الاستقالة قبل الانتخابات العامة المقبلة.
انتصارات حزب العمال الزلزالية
في المقابل، أشاد زعيم حزب العمال، كير ستارمر، بـ "النتائج الزلزالية" غير المسبوقة لصالح حزبه، ففي إنجاز تاريخي، حققوا ثالث أكبر انتقال للأصوات منذ الحرب العالمية الثانية بفوزهم الساحق في انتخابات بلاكبول الجنوبية.
كما نجح العمال في استعادة مناطق "الجدار الأحمر" الشمالية التي خسروها سابقًا لصالح المحافظين تحت قيادة بوريس جونسون، بالإضافة إلى ذلك، فازوا برئاسات عدة بلديات رئيسية في المناطق الوسطى وشمال شرق إنجلترا وشمال يوركشاير، الأخيرة التي تضم حتى دائرة سوناك الانتخابية الخاصة.
ضربات موجعة للمحافظين على جميع الجبهات
لم تقتصر خسائر المحافظين على المستوى المحلي فحسب، بل امتدت لتشمل خسارة عدد من مفوضي الشرطة والجريمة التابعين لهم، كما فقدوا السيطرة على ما لا يقل عن سبع مجالس محلية جديدة في مقاطعات جنوبية مُعتبرة مثل بوكنجهامشاير وإسكس وهامبشاير وسوسكس.
وبحلول الساعة 10:45 مساءً بتوقيت لندن، كان حزب العمال قد فاز بأكثر من 200 مقعد جديد ليصل إجمالي مقاعده إلى أكثر من 1000 مقعد، في حين أضاف الديمقراطيون الأحرار 90 مقعدًا آخر، لتصل حصيلتهم إلى 500 مقعد، متجاوزين المحافظين الذين خسروا أكثر من 370 مقعدًا لينخفض رصيدهم إلى 468 مقعدًا فقط.
صعود للأحزاب الصغيرة والمستقلين
تشير "الجارديان" إلى أنه على الرغم من تلك الانتصارات الكبيرة للأحزاب الرئيسية، شهدت هذه الانتخابات المحلية أيضًا أداءً لافتًا للحزب الأخضر الذي فاز بأكثر من 150 مقعدًا، وكاد يفوز بالسيطرة الكاملة في مدينة بريستول.
كما حققت قوائم المرشحين المستقلين نجاحًا باهرًا بفوزها بـ 260 مقعدًا، في ظل إحباط الناخبين من السياسات الحكومية وموقف حزب العمال المتردد تجاه قضية غزة.
ونوهت الصحيفة البريطانية إلى أن هذا الأداء المميز للأحزاب الصغيرة يعكس شعورًا متزايدًا بالاستياء الشعبي من الأحزاب التقليدية ورغبة في التغيير الجذري.
تحديات صعبة أمام سوناك
على الرغم من الخسائر الفادحة التي منيت بها حكومته، لا يزال سوناك متشبثًا بمنصبه رئيسًا للوزراء، ويستند المحافظون في دفاعهم إلى بعض جيوب النجاح المحدودة، مثل احتفاظ العمدة المحافظ بن هاوتشن بمنصبه في تيز فالي، ومن المرجح أن يحتفظ أندي ستريت برئاسة بلدية المناطق الوسطى الغربية، لكن كليهما سعى إلى نأي نفسه عن سياسات حزب المحافظين المركزية.
وتوضح الجارديان أن الضغوط أصبحت متصاعدة على سوناك من أعضاء حزبه للاستقالة أو إجراء تغييرات جذرية في تشكيلة حكومته، في محاولة لاحتواء الأزمة، في حين ستكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان سيبقى كزعيم للمحافظين وقائدهم في الانتخابات العامة القادمة.
انقسام المحافظين
كان ديفيد كامبل بانرمان، النائب الأوروبي السابق للمحافظين وحزب الاستقلال، الصوت الوحيد الذي دعا سوناك صراحة إلى الاستقالة.
ووصف بانرمان سوناك بأنه "رئيس وزراء سيئ للغاية: ليس محافظًا، لا رؤية لديه، لا كاريزما، لا قدرة على الحملات الانتخابية"، وطالبه بـ "التنحي الآن والذهاب إلى كاليفورنيا، حيث سيبرع في الذكاء الاصطناعي".
من جانبه، قال كواسي كوارتنج، النائب المحافظ ووزير الخزانة السابق، لراديو إل بي سي إنه "لم يعد هناك أي مقعد محافظ آمن حقًا"، لكنه أضاف أن الوقت ليس مناسبًا لتغيير القائد؛ لأن هناك حاجة إلى "الاستقرار والتوحيد".
ومن المرجح أن تعمق النتائج الانقسام داخل صفوف المحافظين حول ما إذا كان على الحزب التحول نحو اليمين.
بدلًا من ذلك، دعت أندريا جنكينز، النائبة المحافظة الوحيدة التي اعترفت علنًا بإرسال رسالة عدم ثقة في سوناك، إلى "تعديل حكومي حربي" لإعادة وزراء سابقين مثل سويلا برافرمان وروبرت جنريك وبريتي باتيل وجاكوب ريس-موج.
وقالت أيضًا لشبكة "جي بي نيوز" إن سوناك قد يفكر في محاولة عقد صفقة مع حزب الإصلاح، الذي حصل على 16.9% مقابل 17.5% للمحافظين في بلاكبول الجنوبية.