في يومي الـ 29 والـ 30 من أبريل الماضي، شهدت الدولة المصرية زيارات رسمية تاريخية على المستوى الرئاسي والوزاري من دولتي "البوسنة والهرسك" و "بيلاروسيا"، إذ التقى الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" برئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، حيثُ تُعتبر أول زيارة لمصر على هذا المستوى الرفيع منذ أكثر من "14" عامًا، كما التقى رئيس الوزراء المصري مع نظيره البيلاروسي في جلسة مُباحثات موسعة؛ لبحث ملفات التعاون المُشترك بين البلدين، إذ تُعتبر أول زيارة لرئيس وزراء بيلاروسي إلى مصر، ومن المُحتمل أن تؤثر هذه العلاقات بالإيجاب على الاقتصاد المصري بشكل كبير.
وبناءً على ما تقدم.. يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على انعكاسات تطور هذه العلاقات على الاقتصاد المصري في الفترة المُقبلة.
قضايا استراتيجية:
يُمكن التعرف على المحاور التي تطرقت إليها الزيارتان على النحو التالي:
(-) تعزيز كافة أوجه التعاون: ركز لقاء الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" برئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، على تعزيز أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، من خلال استخدام آليات التعاون القائمة، بالإضافة إلى تطويرها. وتفعيل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني؛ لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، ومن الناحية الأخرى أكد رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" خلال لقائه مع رئيس الوزراء البيلاروسي، أن مصر تسعى لزيادة التبادل التجاري مع بيلاروسيا، بما يرقى لمستوى العلاقات السياسية بين البلدين، إذ تم توقيع اتفاق؛ لتعزيز نظام التجارة المشتركة (MTPS)، كما أن تطلع بيلاروسيا لإنشاء مركز؛ لتخزين الحبوب في مصر، سيجعل مصر بوابة للتصدير للقارة الإفريقية بأكملها.
(-) تعزيز التبادل السياحي: تضمنت اللقاءات إطلاق خط طيران مباشر من بعض مدن البوسنة والهرسك إلى مدينة الغردقة، كما تم التطرق إلى أنه يتم دراسة تيسير رحلات طيران مباشر بين القاهرة وعاصمة بيلاروسيا "مينسك"، مما سيكون له كبير الأثر في زيادة معدلات السياحة إلى مصر.
(-) تعزيز التعاون الصناعي: تضمن اللقاء بين رئيس الوزراء المصري ورئيس وزراء بيلاروسيا "رومان جولوفتشينكو"، العديد من النقاط التي تعمل على إنعاش التعاون الصناعي بين البلدين، إذ أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى تطلع مصر؛ لتكثيف التعاون في مجال تجميع وتصنيع المعدات الثقيلة والجرارات والمعدات الزراعية، ومن جانبه أشار رئيس الوزراء البيلاروسي إلى إمكانية توطين عدد من الصناعات داخل مصر مثل المُعدات الثقيلة والجرارات الزراعية، وإقامة مصانع لزيوت الطعام والألبان المُجففة، بالإضافة إلى التعاون في نقل تجربة بيلاروسيا حول مشروعات مُعالجة المياه والصرف الصحي ومجمعات تدوير المخلفات الصعبة.
(-) توقيع عدد من مذكرات التفاهم: شهد كل من رئيس الوزراء المصري ورئيس الوزراء البيلاروسي توقيع مذكرة تفاهم؛ لتعزيز التعاون الاستثماري بين الدولتين، إذ وقعت بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بمصر، والوكالة الوطنية للاستثمار والخصخصة ببيلاروسيا، و هدفت إلى تبادل الخبرات؛ لتعزيز مناخ الأعمال بما يُحقق أهداف التنمية المُستدامة في الدولتين، حيثُ تتضمن المذكرة تشجيع تبادل المعلومات بين الطرفين، حول ما يتعلق بفرص الاستثمار والقوانين واللوائح والسياسات المُتعلقة ببيئة الاستثمار في البلدين، وجعلها متاحة؛ لتعزيز المشروعات المشتركة، بالإضافة إلى تشجيع تبادل الوفود وزيارات الأعمال؛ للتعرف على أفضل الممارسات في مجال ترويج الاستثمار.
وبالإضافة إلى ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم؛ للتعاون الثنائي بين مصر وبيلاروسيا، في دعم وتعزيز مشاركة المستثمرين في سوق الأوراق المالية، وغيرها من أسواق المنتجات الاستثمارية، إذ تضمن المذكرة إنشاء نظام للمساعدة المُتبادلة؛ لتعزيز كفاءة الأداء بين الدولتين.
انعكاسات مُستقبلية
إن تدعيم العلاقات الاقتصادية الخارجية للدولة المصرية، يُحقق مجموعة من الانعكاسات الهامة، كما سيتم توضيحه على النحو التالي:
(-) إنعاش التبادل التجاري: ينعكس تطور العلاقات الاقتصادية بشكل أساسي في إنعاش التبادل التجاري مع الدول، فمن الشكل (1) يتضح أن واردات مصر من البوسنة والهرسك شهدت انخفاضًا ملحوظًا خلال الفترة من 2020 إلى 2023، إذ انخفضت من 13 مليون دولار إلى 5.45 مليون دولار، أي انخفضت بحوالي 58.08%، ولكن في المُقابل ارتفعت الصادرات من 2.8 مليون دولار في عام 2020 إلى 9.99 مليون دولار في عام 2023، وهو ما يعني أن الدولة المصرية تجد في سوق البوسنة والهرسك فرص تصديرية واسعة، وهو ما يُوضح أن مع تطور العلاقات بين الجانبين سيزداد هذا التبادل التجاري بشكل كبير.
ومن ناحية أخرى من المتوقع أن يزداد التبادل التجاري مع بيلاروسيا بشكل كبير بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء البيلاروسي، حيث يُشير الشكل (2) إلى أن حجم الصادرات المصرية إلى بيلاروسيا ارتفعت في عام 2023 إلى 21.5 مليون دولار، بالمُقارنة بـ 12.3 مليون دولار في عام 2020، وكما تشهد الواردات المصرية من بيلاروسيا ارتفاعًا ملحوظًا، ففي عام 2022 سجلت 91.5 مليون دولار، بالمُقارنة بـ 38.5 مليون دولار في 2021، وقد انخفضت في عام 2023 إلى 79.6 مليون يورو؛ بسبب تأثير ات الأزمة الروسية الأوكرانية. ومن هنا توضح هذه الأرقام أن بيلاروسيا تُعد شريكًا تجاريًا قوي مع الدولة المصرية، وتقوية العلاقات معها سينعكس على تحسين ميزان المدفوعات بشكل كبير، خاصة بعد أن تدخل مصر رسميًا في الاتحاد الأوراسي، إذ نتج عن اللقاءات تطلع مصر لتصدير مزيد من المنتجات إلى السوق البيلاروسية، خاصة المنتجات الغذائية والفاكهة والمنتجات الدوائية، باعتبارها أهم الصادرات المصرية إلى بيلاروسيا، وهو ما يُحقق تحسنًا كبيرًا في ميزان المدفوعات المصري.
(-) جذب المزيد من الاستثمارات: تدفق الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة، مع تطور العلاقات الاقتصادية بين الدول، فالاستثمار الأجنبي المباشر دالة أساسية في الانفتاح الاقتصادي، فكلما زاد انفتاح الدولة على العالم الخارجي، كلما تدفقت المزيد من الاستثمارات داخل الدولة، فهناك 27 شركة بيلاروسية تستثمر في مجالات الصناعة والزراعة والأخشاب داخل مصر، ومن المحتمل بشكل كبير أن تنتعش العلاقات الاستثمارية بين مصر وبيلاروسيا بشكل كبير بعد الزيارة الأخيرة، كما من المُحتمل أن تدفق استثمارات البوسنة والهرسك إلى مصر، وهو ما يعمل على زيادة التدفقات الدولارية داخل الدولة، ورفع معدلات التشغيل للاقتصاد المصري.
(-) إنعاش سوق البورصة المصرية: إن توجه الدولة المصرية نحو عقد مذكرة تفاهم حول تنظيم الاستثمار في سوق الأوراق المالية، سيتسبب في إنعاش سوق البورصة المصرية بشكل كبير خلال الفترة المُقبلة، إذ أن تطبيق ممارسات حوكمة الشركات والتعاون الفني في مجال إنفاذ القوانين والقواعد المتعقلة بإصدار الأوراق المالية والعقود الآجلة، سيُحقق زيادة في تدفقات الاستثمارات المالية في البورصة المصرية، وهو ما يرفع حجم التداول داخل البورصة، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على أدائها.
(-) تعزيز التصنيع المحلي: يخدم تطور العلاقات بين مصر وكلٍ من بيلاروسيا والبوسنة والهرسك، إرساء قواعد توطين الصناعة المحلية داخل الدولة المصرية، إذ أن توجه شركة "مينسك" المتخصصة في إنتاج الجرارات والمعدات الثقيلة، نحو التعاون مع شريك محلي؛ لتصنيع وتجميع منتجاتها في مصر، يعمل على نقل تكنولوجيا التصنيع إلى المُصنعين المحليين، وهو الأمر الذي يعمل على توطين الصناعات البيلاروسية داخل الدولة، ونقل طرق الإنتاج الحديثة داخلها إلى الصناعة المصرية، وهو الأمر الذي يعمل على زيادة القيمة المُضافة للصناعة المصرية بشكل كبير.
(-) زيادة حركة السياحة: إن إطلاق خط طيران مباشر من بعض مدن البوسنة والهرسك إلى مدينة الغردقة، والعمل على تيسير حركات رحلات طيران مباشر بين القاهرة ومينسك، وفتح طرق تربط بيلاروسيا بالمنتجعات والمدن المصرية على البحر الأحمر، سيعمل على زيادة تدفق السائحين من هذه الدول إلى مصر، وهو الأمر الذي سينعش حركة السياحة في الدولة المصرية، مما يعمل على زيادة إيرادات قطاع السياحة بشكل كبير.
في النهاية، يُمكن القول إن التنوع الذي تشهد علاقات مصر الخارجية، سيؤدى إلى إضافات جيدة في محور التنمية، فتنوع العلاقات يُتيح الفرصة لتبادل خبرات مختلفة في المجالات الاقتصادية المُتعددة، وهو الأمر الذي سيُحقق مردودات إيجابية كبيرة للاقتصاد المصري، خاصة في قطاعات الاستثمار والتصنيع والسياحة.