احتدم التوتر القائم على حدود لبنان الجنوبية مع المستوطنات الشمالية، مع تصاعد عمليات القصف المتبادل بين جيش الاحتلال وحزب الله، ما ينذر بمواجهة عسكرية بين الطرفين، رغم محاولات تجريها فرنسا حاليًا للحيلولة دون اندلاعها.
مساع فرنسية
وفي محاولة لنزع فتيل التصعيد المستمر بين جيش الاحتلال وحزب الله، ومنع انزلاق الطرفين إلى مواجهة عسكرية أكبر، يجري وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، زيارة للبنان، اليوم الأحد، إذ تسعى باريس إلى تحسين خارطة طريق يمكن للجانبين قبولها لتخفيف التوترات.
وفي وقت سابق هذا العام، قدم "سيجورنيه" مبادرة تقترح انسحاب وحدة النخبة التابعة لحزب الله مسافة 10 كيلومترات من الحدود الإسرائيلية، بينما توقف إسرائيل ضرباتها في جنوب لبنان.
ولم يحرز الاقتراح الفرنسي، الذي تمت مناقشته مع الشركاء خاصة الولايات المتحدة تقدمًا، لكن باريس تريد الحفاظ على زخم المحادثات، والتأكيد للمسؤولين اللبنانيين أن التهديدات الإسرائيلية بشن عملية عسكرية في جنوب لبنان يتعين أن تؤخذ على محمل الجد.
وأكد حزب الله أنه لن يدخل في أي نقاش ملموس، حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، إذ تقترب الحرب بين إسرائيل وحماس من شهرها السابع.
وقالت إسرائيل أيضًا إنها تريد ضمان استعادة الهدوء على حدودها الشمالية حتى يتمكن آلاف النازحين الإسرائيليين من العودة إلى المنطقة، دون خوف من الهجمات الصاروخية عبر الحدود.
والتقى نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، والعماد جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق من هذا الشهر، إذ ناقشوا الاقتراح الفرنسي.
وفي رسالة موجهة إلى السفارة الفرنسية لدى بيروت، مارس الماضي، قالت الخارجية اللبنانية، إن بيروت تعتقد أن المبادرة الفرنسية ستكون خطوة مهمة نحو السلام والأمن في لبنان والمنطقة الأوسع.
تكثيف القصف المتبادل
وأعلن حزب الله اللبناني، اليوم الأحد، استهداف مستوطنة ميرون والمستوطنات المحيطة بها بعشرات صواريخ الكاتيوشا.
وأوضح حزب الله في بيان نقلته وكالة لبنان الوطنية للإعلام، أن الاستهداف بهدف دعم سكان قطاع غزة، وردًا على اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي على القرى الجنوبية والمنازل المدنية، خصوصًا بلدات القوزح ومركبا وصربين.
وفي وقت سابق، أعلن جيش الاحتلال، ليل أمس السبت، أن وابلًا من الصواريخ أُطلق من لبنان، وضرب مناطق مفتوحة بالقرب من بلدة بار يوهاي الشمالية.
وأوضح جيش الاحتلال، أنه لم تقع أي أضرار أو إصابات في الهجوم، الذي تم خلاله إطلاق نحو 26 صاروخًا على الأقل، بينما دوت صفارات الإنذار في عدة مناطق بجبل ميرون.
وأعلن جيش الاحتلال، أن طائراته الحربية أغارت، خلال ساعات الليل، على "مبان عسكرية وبنى تحتية إرهابية" تابعة لحزب الله، في جنوب لبنان.
وقال أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، إن "طائرات حربية تابعة لسلاح الجو أغارت خلال ساعات الليل على أهداف إرهابية تابعة لحزب الله في منطقة مارون الراس بجنوب لبنان، وبين الأهداف التي تمت مهاجمتها عدة بنى تحتية إرهابية ومبنى عسكري".
وأغارت طائرات حربية، بحسب منشور لأدرعي على منصة "إكس"، على بنية تحتية عسكرية تابعة لحزب الله في منطقة طير حرفا، ومبنى عسكري تابع للحزب في منطقة يارين بجنوب لبنان.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بلبنان، بأن "الطيران الحربي المعادي أغار قبل منتصف الليل على أطراف بلدتي طيرحرفا والضهيرة، ما سبب أضرارًا جسيمة بالممتلكات والمزروعات والمنازل"، كما أغار على أهداف ومنازل مدنية في بلدة مارون الراس، وفقًا للمصدر ذاته.
وأضافت الوكالة أن "العدو الإسرائيلي أطلق نيران رشاشاته الثقيلة في اتجاه بلدة عيتا الشعب من موقعه في بركة ريشا".
وحتى صباح اليوم الأحد، حلق الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط وصولًا لمشارف نهر الليطاني، مُطلقًا القنابل المضيئة فوق القرى الحدودية المتاخمة للخط الأزرق، بحسب الوكالة اللبنانية.
ويتبادل جيش الاحتلال إطلاق النار مع حزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، بشكل شبه يومي، منذ هجوم الفصائل على مستوطنات غلاف غزة، 7 أكتوبر الماضي، ورد الاحتلال بشن عدوان شامل على القطاع، خلف دمارًا غير مسبوق وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
واشتدت التوترات بين الطرفين، منذ أن بدأت إسرائيل وإيران في تبادل الهجمات بشكل مباشر خلال الأسابيع الماضية.
والأربعاء الماضي، أعلن جيش الاحتلال أنه قصف نحو 40 موقعًا مرتبطًا بحزب الله في جنوب لبنان، بعد أن شنت الجماعة هجومًا على إسرائيل في اليوم السابق.
واشتدت المواجهات على الجبهة الجنوبية للبنان، وتمدد حزام النار على عمق أكثر من 15 كلم في الشمال الإسرائيلي، مع قصف حزب الله شمال عكا، في وقت طالت الصواريخ الإسرائيلية منطقة عدلون الواقعة في قضاء صيدا للمرة الأولى.
وأجلى جيش الاحتلال عشرات الآلاف من سكان المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية، منذ اندلاع الحرب على غزة، فيما يؤكد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن "طرد حزب الله من جنوب لبنان هدف وطني".
ومنذ بدء التصعيد، قُتل في لبنان 385 شخصًا على الأقل بينهم 254 عنصرًا من حزب الله و73 مدنيًا على الأقل، وفق حصيلة أعدتها وكالة "فرانس برس"، استنادًا إلى بيانات الحزب ومصادر رسمية لبنانية، وأحصى الجانب الإسرائيلي من جهته مقتل 11 عسكريًا وتسعة مدنيين.
أسوأ صراع منذ 2006
وتمثل الأعمال القتالية أسوأ صراع بين الجانبين منذ حرب 2006، ما يُؤجج المخاوف من خوض مواجهة أكبر.
ونقلت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، عن مسؤول إسرائيلي كبير، إن "حزب الله من أقوى الميليشيات في الشرق الأوسط، ويُعتقد أنه يملك نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، بعضها ذو مدى طويل بما يكفي للوصول إلى أي مكان في إسرائيل تقريبًا".
وإذا اندلعت "حرب شاملة" فإن تقديرات جيش الاحتلال تشير إلى أن "السيناريو الأساسي هو إطلاق ما يصل 5000 صاروخ يوميًا من لبنان، بالإضافة إلى عدة مئات أخرى من قبل وكلاء إيران في اليمن والعراق وسوريا"، وفق ما قال المسؤول الإسرائيلي للوكالة الأمريكية.
وقال المسؤول إنه "من المرجح أن يحاول حزب الله ضرب منشآت البنية التحتية، مثل محطات الطاقة وأنابيب المياه، وكذلك الموانئ البحرية والمطارات ومواقع الاتصالات".
ووفق الوكالة الأمريكية، فإن جيش الاحتلال "يستعد لحرب مع حزب الله منذ أكثر من 15 عامًا، إذ أُنشئت هيئة طوارئ وطنية للتنسيق بين الوزارات الحكومية والسلطات المحلية والوكالات الأخرى، للاستعداد لأي هجوم مفاجئ".
وإن جيش الاحتلال لديه خطة معروفة باسم "البوصلة"، وهي وثيقة سرية تحدد قدرات حزب الله، والحد الأقصى من الضرر الذي يمكن أن تسببه الهجمات، إلى جانب مخزونات الطوارئ التي ستشتريها إسرائيل استعدادًا للحرب، وعمليات الإجلاء المحتملة من المناطق المتضررة، حسبما تقول "بلومبرج".