قامت الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع استراتيجية قومية لتنمية سيناء، إيمانًا بأن تنمية سيناء ضرورة مُلحة؛ لنهضة الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية المستدامة، إذ أصبحت سيناء منطقة جاذبة للاستثمارات ومركزًا مهمًا لإقامة المؤتمرات الدولية، وكان ذلك نتيجة لتنفيذ العديد من المشروعات القومية العملاقة التي تضمنت إنشاء مناطق صناعية وزراعية، ولم يتوقف الأمر عند إقامة المشروعات، بل تطور ليشمل تنمية المواطن السيناوي باعتباره أحد أهم عناصر نجاح التجربة التنموية، فبهذا تحولت سيناء إلى واحة معمورة بها كل المقومات التي تؤهلها لتكون منطقة متكاملة اقتصاديًا.
وفي ضوء ما سبق يهدف هذا التحليل إلى تتبع مسارات التنمية في سيناء منذ عام 2014 وحتى الآن، بتوضيح المشروعات القومية المختلفة التي نُفذت بها، بالإضافة إلى توضيح انعكاسات هذه المشروعات.
مسارات تنموية
يُمكن توضيح بعض المشروعات التي نفذتها الدولة المصرية في سيناء خلال العشر سنوات الماضية على النحو التالي:
(*) مشروعات البنية التحتية: أحدثت مشروعات البنية التحتية التي نفذتها الدولة المصرية بسيناء ومدن القناة في العشر سنوات الأخيرة، تغييرًا كبيرًا في هذه المحافظات، فقد تم إنشاء طرق بإجمالي أطوال تبلغ 2400 كم، وإنشاء خمسة أنفاق أسفل قناة السويس؛ لربط سيناء بمدن القناة، بالإضافة إلى حفر نفق الشهيد أحمد حمدي (2)؛ لربط سيناء بجميع أنحاء الجمهورية، كما تم تطوير ورفع كفاءة 6 موانئ بسيناء.
وقد ترتب على مشروع "تنمية منطقة شرق بورسعيد" العديد من الآثار الإيجابية على مستوى البنية التحتية في سيناء، إذ تم إنشاء أرصفة الميناء البحري بتكلفة بلغت 6.5 مليار جنيه، ونتيجة لهذا المشروع ارتفعت حركة البضائع بميناء شرق بورسعيد بنسبة 17% من 27.2 مليون طن عام 2018 إلي 31.5 مليون طن عام 2019، وكما ارتفعت حركة البضائع المُحققة بالحاويات من 2.4 إلي 2.7 مليون حاوية، إذ استقبل الميناء 83 سفينة عملاقة في عام 2018، وهو ما يوضح الأثر الكبير لأعمال التطوير في الميناء، الذي احتل المركز العاشر عالميًا في مؤشر البنك الدولي لأداء الموانئ بمجال الحاويات عام 2022.
كما تم تنفيذ كباري عائمة في سيناء ومدن القناة، والتي يُقدر عددها 7 كباري عائمة، حيث يبلغ طول الكوبري العائم الغربي 257.5 متر، وطول الكوبري العائم الشرقي 257.5 متر؛ لتنشيط حركة التجارة وربط سيناء بالوادي. وأنشأت الدولة المصرية مطار البردويل الدولي وطورت عددًا من المطارات مثل مطارات شرم الشيخ الدولي وطور وطابا والعريش وسانت كاترين، وهو ما ربط سيناء بالعالم الخارجي.
(*) الكهرباء والطاقة: شهدت سيناء في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي طفرة نوعية في مشروعات الكهرباء والطاقة، وهو ما عمل على رفع كفاءة الشبكة الكهربائية وتحسين أدائها في سيناء، إذ تم ضخ استثمارات بحوالي 246 مليون جنيه من يوليو 2014 إلى مارس 2023؛ لرفع كفاءة الشبكة وتحسين خدمة المشتركين، وتوصيل التيار الكهربائي لمدينة رفح الجديدة ومشروع المآخذ وزماماتها في رمانة وبئر العبد ولمشروع ابني بيتك بأرض الجولف بالعريش.
كما تم توصيل التيار للتجمعات التنموية، ولعدد 106 منازل بدوية بقرية الجوفة في منطقة الجدي بمحافظة شمال سيناء، ونتيجة لذلك زادت نسبة عدد المشتركين الذين تم توصيل التغذية الكهربائية لهم من 1.15 مليون مشترك في يونيو 2014 إلى 2.4 مليون مشترك في مارس 2023، بنسبة زيادة 108.7%، بالإضافة إلى ذلك فقد تم ضخ 12 مليار جنيه تكلفة إنشاء محطة جبل الزيت لطاقة الرياح بقدرة 580 ميجاوات في يوليو 2018، ونحو 1.2 مليار جنيه لتنفيذ 3 محطات محولات للتغذية الكهربائية بسيناء.
وبلغت قيمة الاستثمارات في مشروعات الكهرباء نحو 10 مليارات جنيه، لتحقق فائضًا يتجاوز 25% حتى أكتوبر 2020، وقد بلغت استثمارات وتكلفة مشروعات توزيع الكهرباء حتى الوقت الحالي ما يُقرب من 7.3 مليار جنيه، كما تم توسعة القدرة الاستيعابية لمحطة كهرباء شرم الشيخ إلى 288 ميجاوات، وقد بلغ إجمالي تكلفة المحطة 213.4 مليون دولار، بالإضافة إلى ذلك حدثت طفرة كبيرة في توصيل الغاز الطبيعي في محافظتي شمال وجنوب سيناء ومدن القناة كما يوضح الشكل رقم (1)
(*) قطاع الصناعة والاستثمار: قامت الدولة المصرية بضخ كمية كبيرة من الاستثمارات في سيناء خلال الفترة من 2014/2015 وحتى 2021/2022، إذ قُدر حجم الاستثمارات التي ضُخت في كل من شبه جزيرة سيناء ومدن القناة بحوالي 290.1 مليار جنيه، وقد استأثرت سيناء بحجم استثمارات يبلغ 73.3 مليار جنيه فى 2022\2023 بالمُقارنة بنحو 4.8 مليار جنيه فى 2013\2014 كما يوضح الشكل (2)، وهو ما يوضح الاهتمام الكبير من قبل الدولة المصرية بتوجيه الاستثمارات العامة لسيناء.
وبالإضافة إلى ذلك بلغ عدد المشروعات المُنفذة والجاري تنفيذها 6362 مشروعًا، وتم افتتاح 3 مراكز لخدمة؛ ما يزيد على 10.5 ألف شركة، كما تم إطلاق 8 مناطق وتجمعات صناعية، وأُنشئت العديد من القواعد الصناعية داخل سيناء ومدن القناة كما يوضح الشكل رقم (3)
(*) إنشاء محطات مُعالجة المياه: تم تنفيذ العديد من محطات المياه داخل سيناء، التي تنوعت ما بين محطات مُعالجة مياه الصرف الصحي، ومحطات تحلية مياه البحر ومياه الآبار، فقد تم إنشاء 10 مشروعات صرف صحي في سيناء بتكلفة 1.7 مليار جنيه، إلى جانب تنفيذ 30 محطة تحلية بسيناء ومدن القناة، وبهذا ارتفع عدد محطات التحلية من 15 محطة في 2014 إلى 45 محطة في 2023، ويُمكن توضيح بعض هذه المحطات على النحو التالي:
(-) محطة مُعالجة مياه الصرف الصحي بمدينة الطور: نُفذت هذه المحطة بجنوب سيناء في أكتوبر 2020، وقُدرت تكلفتها بحوالي 235 مليون جنيه، بطاقة 10 آلاف م٣/ يوم، كما تم تنفيذ 3 محطات رفع، و20 كم شبكات انحدار لنقل مياه الصرف، و12 كم شبكات لطرد المياه. وهو ما يدل أن هذه المحطات عملت على توفير المياه في سيناء بشكل كبير، إذ عملت الدولة على تنفيذ مشروع صرف صحي متكامل بمدينة طور سيناء.
(-) محطة المُعالجة الثلاثية لمصرف المحسمة: بلغت التكلفة الإجمالية للمحطة 3.5 مليار جنيه، بإجمالي طاقة إنتاجية مليون م٣/ يوم، تُساهم في ري حوالي 50 ألف فدان وسط سيناء، إذ تعد هذه المحطة من أكبر محطات المعالجة في العالم، فهذه المحطة ُتساهم بقوة في دعم الموارد المائية في سيناء.
(-) محطة معالجة ثلاثية لمصرف بحر البقر:يبلغ إجمالي حجم الطاقة الإنتاجية لهذه المحطة 5.6 مليون م٣/ يوم ، فهي أكبر محطة مُعالجة في العالم، إذ تنتج 460 ألف طن / سنة حمأة مجففة، وتُساهم في استصلاح 400 ألف فدان من خلال إعادة تدوير وتشغيل مياه الصرف الصحي في مناطق سهل الطينة وجنوب القنطرة ورابعة وبئر العبد والقوارير، إذ تعمل هذه المحطة على الاستفادة من مياه الصرف الزراعي بدلًا من إلقائها في بحيرة المنزلة وإنتاج مزيد من التلوث والإضرار بالثروة السمكية في هذه البحيرة، فبذلك تُساهم المحطة في الحفاظ على الثروة السمكية، وتوفير المياه وتنمية الصادرات وتحقيق الأمن الغذائي.
(-) محطات تحلية مياه البحر بمدينة الطور: تُعد أحد أبرز محطات تحلية المياه والتي تم إنشاؤها في ديسمبر 2018 على مساحة 4800 متر، وبتكلفة تبلغ نصف مليار جنيه وبطاقة إنتاجية 30 ألف م3/يوم، فالمحطة بها أحدث التكنولوجيات المستخدمة في تحلية مياه البحر.
(-) محطات أخرى: بالإضافة إلى المحطات السابقة هناك محطتا تحلية مياه البحر في ساحل بحر منطقة أبو سقل، والريسا 2: بطاقة إنتاجية للمحطتين 5000 م٣ وبتكلفة إجمالية 11 مليون دولار، وقد أسهمت هذه المحطة في القضاء على مشاكل المياه في هذه المناطق. بالإضافة إلى محطتي لتحلية المياه بمدينة النخلة (محطة صدر حيطان، ومحطة الريد) بطاقة 250 م٣/يوم وتشتمل على محطة توليد كهرباء من الطاقة الشمسية. ومحطة تحلية مياه البحر بذهب التي تم البدء في تنفيذها عام 2019 بطاقة إنتاجية 15 ألف م٣/يوم، وتتكون المحطة من مبنى تحلية، وأربع وحدات تحلية.
(*) تطوير قطاع الصحة: انتهجت الدولة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سياسة تطويرية لقطاع الصحة في سيناء ومدن القناة، إذ تم التوسع في إنشاء وتطوير المنشآت الصحية، فقد تم إنشاء 50 مستشفى و154 مركزًا ووحدة صحية، كما تم تطوير 18 مستشفى و71 مركزًا ووحدة صحية، وتم إنشاء مخزن استراتيجي للأدوية في الريسة بالعريش. بالإضافة إلى الخدمات التي وفرتها الدولة المصرية ضمن حملة 100 مليون صحة، ومنها تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بمرحلتها الأولى في 6 محافظات (جنوب سيناء والسويس وبورسعيد والإسماعيلية والأقصر وأسوان)، ففي إطار هذه المنظومة سجل نحو أكثر من 3.6 مليون مواطن، حيثُ المنظومة 8 مستشفيات و23 وحدة ومركز صحة أسرة في محافظة جنوب سيناء وحدها.
مردودات هامة
بمقارنة الوضع الحالي في شبه جزيرة سيناء، باستطلاع الرأي الذي قام به مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في عام 2010، الذي تناول سؤال أهالي سيناء عن أبرز المشكلات التي يواجهونها، إذ أظهر الاستطلاع أن 63% من المشكلات حول المياه، و50% للنقل والربط مع باقي المحافظات، و25% مشكلات تعليم، إلى جانب مشكلات الكهرباء والصحة، ستتضح المردودات الهامة التي انعكست على أرض الفيروز في الوقت الحالي نتيجة مشروعات الدولة المتعددة في آخر عشر سنوات، والتي سيتم توضيحها على النحو التالي:
(*) رؤية دولية إيجابية: حيث يتضح من الشكل رقم (4) الإشادات الدولية بجهود مصر في تنمية سيناء، وهو ما يدل على أن التغيير الحاصل في المنطقة لم يلمسه المواطن المصري فقط، ولكن شهده العالم الخارجي أجمع.
(*) توجيه الاستثمارات: أصبحت سيناء منطقة جاذبة للاستثمار من خلال مشروعات البنية التحتية التي نفذتها الدولة المصرية، فقد تم تطوير مجموعة هائلة من شبكات الطرق التي تتجاوز3 آلاف كم، فقد كان حجم الطرق قبل عام 2014 يصل إلى 674 كم، بينما في 8 سنوات وصلت إلى 3 آلاف كم، هذا بالإضافة إلى الطفرة الكبيرة في مشروعات الأنفاق، فقد قامت هذه الأنفاق بمهمة كبيرة في ربط الحركة من وإلى سيناء، وهو ما سيعمل على توجيه العديد من الاستثمارات إلى محافظتي شمال وجنوب سيناء.
(*) تحسين مستوى الخدمات الأساسية: فبالنسبة لقطاع المياه، أسهم نحو 52 مشروعًا في زيادة نسبة تغطية مياه الشرب في سيناء من 84% في عام 2014 إلى 98% في عام 2023، كما قد أشار استطلاع آخر لمركز المعلومات دعم واتخاذ القرار في عام 2023 إلى مدى رضا الأهالي في سيناء عن جهود الدولة في تطوير ورفع كفاءة مستوى الخدمات المقدمة لهم في عدد من القطاعات، وهي الصحة، والتعليم، والكهرباء، والطرق والإنارة، والصرف الصحي، ففي قطاع الكهرباء قامت الدولة بإضافة نحو 420 ميجاوات للقدرات الكهربائية في سيناء، أما فى قطاع الصرف الصحي تم تنفيذ 25 مشروعًا بهدف رفع عملية التغطية بشبكات الصرف الصحي من 17.3% في 2014 إلى 40% في 2023.
(*) توفير فرص العمل: وفرت المشروعات المختلفة التي نفذتها الدولة في سيناء فرص العمل بشكل كبير في المنطقة، إذ وفرت نحو 90 ألف فرصة عمل مباشرة، هذا بالإضافة إلى المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التي أولت الدولة لها اهتمامًا شديدًا، فقد تم ضخ أكثر من ملياري جنيه؛ لتمويل هذه المشروعات، وهو ما عمل على تحقيق التمكين الاقتصادي لشباب سيناء، وتقليل معدلات البطالة فيها.
(*) تحقيق التنمية الزراعية: تمثل التحدي الأساسي لتحقيق التنمية الزراعية في "كيفية توفير المياه لاستصلاح مساحات الأراضي الواسعة في سيناء"؛ فلذلك قامت الدولة بزيادة عدد محطات المياه؛ لتوفير المياه المطلوبة لاستصلاح الأراضي، وهو ما عمل على زيادة الرقعة الزراعية داخل سيناء، حيث كان يوجد قبل عام 2014 نحو 224 ألف فدان، ولكن مع تنفيذ مشروعات بمساحة 450 ألف فدان، تجاوزت مساحة الرقعة الزراعية 675 ألف فدان، ومن أهم هذه المشروعات الذي وضُع في موسوعة جينيس، هو مشروع محطة معالجة بحر البقر الذي تم الإشارة إليه سابقًا، إذ تضخ حوالي 6 ملايين م3/يوم إلى سيناء؛ لخدمة عملية الزراعة الجديدة، والتي تم تنفيذها في زمن قياسي، وهو ما عكس حجم التنمية الحاصل في سيناء.
(*) تحقيق التنمية السياحية: وجهت الحكومة العديد من المشروعات في سيناء؛ لتحقيق التنمية السياحية، فمشروع متحف شرم الشيخ الذي يحتوي على ممر متحفي ضخم "الممر الملكي" و يعرض التماثيل الملكية الموجودة في الحضارة المصرية القديمة، أصبح يلعب دورًا أساسيًا في تنشيط السياحة في هذه المنطقة، وعمل على خلق منتج سياحي جديد وهي السياحة التاريخية والأثرية، هذا بالإضافة إلى مشروع تطوير مدينة طور سيناء، ومشروع " التجلي الأعظم" وهو المشروع الذي هدف؛ لإنشاء مزار روحاني على الجبال المحيطة بالوادي المقدس، وترتب على هذه المشروعات استقبال مطاري شرم الشيخ وطابا أعدادًا كبيرة من السائحين.
وفي النهاية يتضح لنا أن الإنجازات المُحققة في سيناء على مدار العشر السنوات الأخيرة، لم تتحقق على مدار السنوات الماضية بأكملها، ولكن مع الإنجازات التي تحققت على أرض سيناء في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت سيناء منطقة عمرانية مستقرة يشيع الأمن في جوانبها، وهو ما سينعكس على تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وجذب العديد من الاستثمارات داخل الأراضي المصرية.