الهجوم الذي وقع، الأسبوع الماضي، على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، أعاد لأذهان العالم الخطر الدائم الذي يمثله تنظيم "داعش - خراسان" خارج معسكراته في جبال أفغانستان.
وحسب ما ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، يعتقد المحللون أن التنظيم يركز بشكل متزايد على أوروبا، ويشيرون إلى أحداث مثل دورة الألعاب الأولمبية في باريس هذا العام كأهداف محتملة.
داعش - خراسان
نقلت الشبكة عن إدموند فيتون براون، أحد كبار مستشاري مشروع مكافحة التطرف ومقره نيويورك، إن داعش - خراسان "لديه الرغبة والقدرة المتزايدة على التوسع خارج أفغانستان وتنفيذ هجمات إقليمية" في باكستان وإيران وآسيا الوسطى، مدعومة بإنتاج إعلامي قوي باللغات الطاجيكية والأوزبكية والروسية.
وقال فيتون براون، إن "شوفينية طالبان الباشتونية في أفغانستان ساعدت تنظيم داعش - خراسان على تجنيد أفراد من مجموعات عرقية أفغانية أخرى".
وكان الهجوم الأكثر شهرة الذي شنه داعش - خراسان حتى الآن، هو التفجير الانتحاري في مطار كابول، عام 2021، الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص، بما في ذلك 13 جنديًا أمريكيًا يحرسون المطار.
وواصلت الجماعة حملة من التفجيرات الانتحارية والاغتيالات ضد حركة طالبان، التي تعتبرها غير راديكالية بالقدر الكافي، ومدينة بالفضل لقوى خارجية.
وتقول أميرة جادون، التي ألفت كتابًا عن التنظيم، إن داعش - خراسان على مدى السنوات الثلاث الماضية "أصبح أكثر طموحًا وعدوانية في جهوده لاكتساب السمعة السيئة والأهمية في جميع أنحاء جنوب ووسط آسيا، إذ أطلق حملته الدعائية الأكثر عدوانية ومتعددة اللغات، وتوسيع أنواع الهجمات التي تنفذها".
وأضافت جادون لـ"سي. إن. إن"، أن الجماعة دمجت بشكل فعّال مجموعة واسعة من المظالم الإقليمية في أجندتها الجهادية العالمية.
وفي العام الماضي، نفذت الجماعة تفجيرًا مدمرًا ضد تجمع انتخابي في بوجور بباكستان، قُتل فيه أكثر من 60 شخصًا، كما أنشأت موطئ قدم لها في إقليم بلوشستان الباكستاني المضطرب والمتاخم لإيران.
وفي يناير، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين مزدوجين في مدينة كرمان الإيرانية، ما أسفر عن مقتل 90 شخصًا وإصابة أكثر من 200 آخرين.
وقالت جادون، الأستاذ المشارك في جامعة كليمسون، إنه بالنظر إلى "قربها من الهجمات، واستراتيجيتها الهجومية الطائفية للغاية، وقاعدة أعضائها المتنوعة، فمن المحتمل جدًا أن يكون داعش - خراسان قد لعب دورًا في هجوم كرمان".
طموحات تتجاوز جنوب آسيا
لدى تنظيم داعش - خراسان طموحات تتجاوز جنوب آسيا، إذ تهدف إلى استهداف روسيا وأوروبا الغربية وحتى الولايات المتحدة، وتولي وكالات الأمن الأوروبية اهتمامًا متزايدًا لهذا التهديد، حتى لو كانت قدرات داعش - خراسان لم تتطابق بعد مع طموحاتها.
وأشار هانز جاكوب شندلر، كبير مديري مشروع مكافحة التطرف، إلى أنه في يوليو من العام الماضي، تم القبض على 7 رجال في ألمانيا للاشتباه في تخطيطهم لهجمات واتصالهم بمخططي داعش - خراسان، وكان جميع المشتبه بهم من آسيا الوسطى.
وفي هذا الشهر، تم اعتقال مواطنين أفغانيين في ألمانيا بتهمة القيام "باستعدادات ملموسة" لمهاجمة البرلمان السويدي ردًا على سلسلة من عمليات حرق القرآن الكريم في البلاد، وأكد ممثلو الادعاء أن أحدهم انضم إلى داعش - خراسان، العام الماضي، وتم وضع خططهم "بالتشاور الوثيق مع عناصر داعش - خراسان".
وقالت كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب، للكونجرس، الخريف الماضي، إنه حتى الآن "يعتمد تنظيم داعش في خراسان بالمقام الأول على عملاء عديمي الخبرة في أوروبا لمحاولة تنفيذ هجمات باسمه".
واتفق فيتون براون، المنسق السابق لعقوبات الأمم المتحدة وتقييم التهديدات المتعلقة بداعش والقاعدة وطالبان، على أن التهديد في أوروبا حتى الآن كان "ساذجًا وجنينيًا"، لكنه حذر من أن داعش - خراسان "قد تم توصيله بالشتات في آسيا الوسطى"، بالمقام الأول في روسيا وتركيا وإلى حد ما في ألمانيا.
ويعتبر براون هجوم موسكو بمثابة "نجاح كبير" للتنظيم، ما يدل على مستوى من التخطيط لم يسبق له مثيل خارج جنوب آسيا.
وأشار تقييم مسرب لوزارة الدفاع الأمريكية، العام الماضي، إلى أن "داعش يقوم بتطوير نموذج فعّال من حيث التكلفة للعمليات الخارجية التي تعتمد على موارد من خارج أفغانستان، ونشطاء في البلدان المستهدفة، وشبكات تسهيل واسعة النطاق".
وفي أعقاب هجوم موسكو، رفعت فرنسا، التي تستضيف الألعاب الأولمبية هذا العام، مستوى التهديد الإرهابي إلى الحد الأقصى.
عاصفة كاملة
وأعرب فيتون - براون عن غاية قلقه بشأن أولمبياد باريس، ووصف "عاصفة كاملة" من تزايد انتشار تنظيم داعش - خراسان، والغضب المحيط بين الأفراد المتطرفين بشأن الوضع في غزة، والإفراج عن الجهاديين السابقين من السجون الأوروبية بعد قضاء مدة عقوباتهم.
ولفتت "جادون" إلى أن خطر "تردد صدى العلامة التجارية لداعش - خراسان لدى المتعاطفين الأفراد في الدول الغربية لا يمكن التغاضي عنه"، موضحة أنه نظرًا لأن المسلحين يعتبرونها "قوة ملهمة ومتنامية، فقد تجتذب أفرادًا من الدول الغربية الذين ينجذبون إلى أيديولوجيتها، قد يؤدي ذلك إلى محاولات أفراد للسفر إلى مناطق النزاع للانضمام إلى صفوف التنظيم أو تنفيذ هجمات في بلدانهم الأصلية نيابة عن التنظيم".
وقيم الجنرال إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، مؤخرًا أن داعش - خراسان "يحتفظ بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية في الخارج في أقل من 6 أشهر دون سابق إنذار".
ويقدر خبراء الأمم المتحدة وآخرون، بما في ذلك أجهزة الأمن الروسية، أن قوة داعش - خراسان تتراوح بين 4000 و6000 مقاتل.
وذكر تحليل حديث نشرته مجلة "سينتنيل"، التي تصدر عن مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، قال إن داعش - خراسان "لا يزال مرنًا وقادرًا على التكيف مع الديناميكيات المتغيرة والتطور من أجل البقاء في ظل الظروف الصعبة".