في وقت تُعاني فيه الولايات المتحدة من اضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مسبوقة، تكشف التقارير العالمية عن انخفاض كبير في مستويات السعادة بين الأمريكيين، فبينما تحتل الدول الشمالية الصدارة في قوائم السعادة، تراجعت الولايات المتحدة إلى المرتبة 23 عالميًا، في أدنى مستوياتها منذ إطلاق تقرير السعادة العالمي عام 2012.
ولعل أبرز ما يقلق الأمريكيين، بحسب ما أشار تقرير السعادة العالمي لهذا العام، هو الاقتصاد المتعثر وارتفاع معدلات التضخم، حيث شهدت أسعار السلع الغذائية الأساسية ارتفاعًا كبيرًا منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه. فقد زادت أسعار الدجاج بنسبة 26%، والخبز 30%، والسكر 44%، والزبدة 27%، في حين ارتفعت تكاليف الإيجار بنسبة 20% خلال نفس الفترة.
وسط هذه الصدمة الناجمة عن ارتفاع الأسعار، عبر الأمريكيون أيضًا عن قدر كبير من الشكوك تجاه النظام السياسي، فقد كشفت دراسة شاملة أجراها مركز بيو للأبحاث عن مستويات عالية من عدم الرضا تجاه فروع الحكومة الثلاثة، والحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلًا عن المرشحين للمناصب السياسية.
ومن بين النتائج، قال 4% فقط من البالغين الأمريكيين إن النظام السياسي يعمل بشكل جيد للغاية أو جيد جدًا، بينما عبر 63% عن عدم ثقتهم على الإطلاق أو بدرجة قليلة في مستقبل النظام السياسي الأمريكي.
وبحسب المؤشر، فإنه في الآونة الأخيرة، أصبحت نسبة متزايدة من الأمريكيين تعبر عن ازدرائها للحزبين السياسيين على حد سواء، في حين أبدى نحو 28% آراء غير مواتية تجاه الحزبين، وهي أعلى نسبة في ثلاثة عقود من استطلاعات الرأي، كما لا يشعر ما يقرب من ربع المستجيبين (25%) بأنهم ممثلون بشكل جيد من قبل أي من الحزبين.
وبينما ظلت الثقة في الحكومة قريبة من مستوياتها التاريخية المنخفضة على مدى العقدين الماضيين، إلا أنها اليوم تقف بين أدنى المستويات في السبعة عقود الماضية.
والآن، بعد ثلاث سنوات من أزمة اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، يعتقد المزيد من الأمريكيين أن بلدهم متجه نحو انهيار سياسي.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف لصالح شبكة "سي بي إس" الأمريكية في يناير، توقع 49% من المستجيبين حدوث بعض أشكال العنف في المنافسات السياسية المستقبلية، مثل الصدام المرتقب بين دونالد ترامب وجو بايدن في 4 نوفمبر، في الوقت نفسه، وافق 70% على القول إن الديمقراطية الأمريكية "مهددة".
لم يشهد الشعب الأمريكي مثل هذه الانقسامات السياسية الحادة منذ فترة الحرب الأهلية، ويبدو أنه مجرد مسألة وقت قبل أن تعود أزياء المعارك القديمة إلى الواجهة مرة أخرى، ولكن بشأن قضايا مختلفة تمامًا هذه المرة.
ويشير مؤشر السعادة إلى أنه ما يزيد من معاناة الأمريكيين هو مشاعر الوحدة، ففي مايو 2023، وصف الجراح العام الأمريكي فيفيك مورثي، الوحدة بأنها "وباء صحي عام".
ويكشف آخر استطلاع للصحة العقلية من الجمعية الأمريكية للطب النفسي أنه في أوائل عام 2024، قال 30% من البالغين إنهم "شعروا بالوحدة مرة واحدة على الأقل في الأسبوع خلال العام الماضي، بينما قال 10% إنهم وحيدون كل يوم".
بشكل مفاجئ نوعًا ما، كان الشباب أكثر عرضة لتجربة هذه المشاعر، حيث أفاد 30% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا بأنهم "وحيدون كل يوم أو عدة مرات في الأسبوع"، كما أن العازبين أكثر عرضة بمرتين تقريبًا من المتزوجين للشعور بالوحدة على أساس أسبوعي خلال العام الماضي (39% مقابل 22%).
وفي الوقت نفسه، تفيد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بأن حوالي واحد من كل عشرة أمريكيين تتراوح أعمارهم بين 12 عامًا وما فوق يتناولون أدوية مضادة للاكتئاب، في حين يتناول أكثر من 60% من الأمريكيين الذين يتعاطون الأدوية المضادة للاكتئاب هذه الأدوية لمدة عامين أو أكثر، بينما يتناولها 14% لمدة عشر سنوات أو أكثر.