تواجه الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام رياحًا معاكسة، ربما لم يسبق لأي إدارة أمريكية مواجهتها من قبل، سواء داخليًا أو خارجيًا، ومع التوسع الكبير في نشر قواتها بأنحاء متفرقة في العالم منذ عشرات السنين، باتت السيطرة على كل تلك النقاط التي تتواجد فيها، عسكريًا أو اقتصاديًا بحجة نشر الديمقراطية، أمرًا صعبًا.
فمن جزيرة بورتوريكو وولاية تكساس اللتين تشهدان حملات متزايدة للانفصال، وصولًا إلى العراق ومنها إلى النيجر، أصبحت القواعد الأمريكية غير مرغوب فيها بالمرة، وباتت الأعلام تُحرق في الشوارع والمسؤولون يُقَابَلون بأغان ضد الاستعمار.
في الأيام الأخيرة تغيرت اللهجة الأمريكية حول الحرب التي تقودها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكان ذلك بسبب التحذيرات المتعددة التي تلقتها الخارجية الأمريكية من مواقعها في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة، وحذّر مسؤولو الاستخبارات، الإدارة الأمريكية، من أن الضربة المُستمرة لشعبية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يمكن أن تكون لها آثار واسعة النطاق على الدبلوماسية الأمريكية حول العالم، وأن الأمر قد يستغرق جيلًا كاملًا لإعادة بناء مكانة الولايات المتحدة في بعض البلدان، بما في ذلك الجهود الرامية إلى بناء تحالف من الدول للمساعدة في إعادة بناء غزة بعد تراجع القتال.
استقلال بورتوريكو وتكساس
بالطبع كان الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل في حربها المستعرة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة، التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 32 ألف فلسطيني، سببًا كبيرًا في زيادة الاحتقان لدى الشعوب التي تريد نيل حريتها من تحت العباءة الأمريكية، كان منهم دولة بورتوريكو، التي زارتها منذ أيام كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي التي أرادت، بحسب صحيفة People Dispatch، جمع أصوات وتبرعات لحملة بايدن.
وتعتبر جزيرة بورتوريكو رسميًا إقليمًا تابعًا للولايات المتحدة، كما أنها ليست ولاية، حيث يعتبر وضعها السياسي الحالي موضع جدل كبير منذ عشرات السنين، ورغم وجود مجلسين تشريعيين، إلا أن الكونجرس الأمريكي يشرّع العديد من جوانب الحياة الأساسية، ولا يسمح للسكان بالتصويت في الانتخابات الرئاسية كونهم ليسوا أمريكيين.
وفي الوقت الذي كانت فيه نائبة الرئيس تحضر حفلًا لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي، كانت الاحتجاجات ضد الاحتلال الأمريكي واستقلال الجزيرة والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني تجوب شوارع بورتوريكو، خاصة حي سان خوان القديم، حيث قام المتظاهرون بإنزال أعلام الولايات المتحدة وبورتوريكو الاستعمارية واستبدلوها بأعلام استقلال هايتي وفلسطين وبورتوريكو، كما علّق المتظاهرون لافتات كُتب عليها "أوقفوا القصف" و"الصهيونية إرهاب"، واختتمو المظاهرة بحرق الأعلام الأمريكية.
ومنذ عام 2017 سيطر مجلس الرقابة المالية الذي أنشأه أوباما على اقتصاد بورتوريكو، وتم اعتماد إجراءات تقشفية قاسية، تسببت في تدهور الظروف بالجزيرة، وخرج السكان إلى الشوارع في مظاهرات عارمة أكثر من مرة لمحاربة سياسات غلق المدارس وتخفيضات الالتحاق بالجامعات والخدمات الاجتماعية ومعاشات التقاعد العامة.
وفي اللحظة التي كانت تغادر فيها هاريس مقر الحفل، كانت فرق موسيقية شعبية تعزف وتغني بكلمات ضد الاحتلال الأمريكي الطويل للجزيرة باللغة الإسبانية، وتوقفت نائبة بايدن عن التصفيق بعدما ترجمة لها مساعدتها معنى الأغنية.
وأكد النشطاء للصحيفة أن العالم يمر بفترة من الخراب والعنف، حيث تهدد الدول القوية مثل الولايات المتحدة السلام العالمي، وبينما يقع ملايين البشر ضحايا الإبادة، فإن نائبة رئيس الولايات المتحدة تزور جزيرتنا للحصول على آلاف الدولارات من أجل حملة إعادة انتخاب بايدن، بينما يعيش السكان في فقر مدقع ودولة انهارت بسبب سياسات اليانكيز التي أدت إلى عدم الاستقرار والفقر والدمار.
وفي ولاية تكساس اكتسبت حملة جديدة للاستقلال اهتمامًا متزايدًا بين السكان، كون الولاية تقع في مركز عواصف سياسية متعددة أهمها الهجرة، ويرى السكان، بحسب مجلة "التايم" الأمريكية، أنفسهم محرومين بشكل متزايد من حقوقهم بسبب النظام الفيدرالي، وبموجب عريضة كبيرة تحمل أكثر من 170 ألف توقيع، تم دعوة الحاكم إلى عقد جلسة خاصة في الهيئة التشريعية لولاية تكساس للتصويت على الاستقلال، مشيرين إلى أنه يتعين على شعب تكساس بعد الانفصال، أن يتم التصويت بعد ذلك على شكل جديد من الحكومة وتتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن أشياء مثل التجارة والدفاع المشترك.
النيجر تواجه القواعد الأمريكية
منذ أيام فوجئ العالم أيضًا، بإعلان النيجر، أكبر دولة في غرب إفريقيا، أن الانتشار العسكري الأمريكي في أراضيها "غير قانوني"، الأمر الذي ربما يكون بمثابة ضربة قوية لقدرة الجيش الأمريكي على نشر قواته في المنطقة، حيث تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية 3 قواعد عسكرية في النيجر من بينها أكبر قواعد الطائرات بدون طيار في العالم في مدينة أغاديز بوسط النيجر، التي أنفقت عليها أمريكا ربع مليار دولار.
ولم تشهد النيجر مع وجود القوات الغربية منذ ما يقرب من عقد من الزمان سوى زيادة في انتشار العنف من قِبل حركات التمرد التي انتشرت عبر منطقة الساحل في عام 2011، وفي ديسمبر الماضي أصدر المجلس الوطني للأمن الاجتماعي بالنيجر أمرًا بسحب فرنسا -المستعمر السابق- لجميع قواتها، ورفضت باريس في البداية الامتثال، وبعد الاحتجاجات الغاضبة خارج القاعدة الفرنسية وسفارتها، تراجعت فرنسا وسحبت قواتها.
تعد القاعدة الجوية 201، التي تمتد على مساحة 25 كيلومترًا مربعًا، أكبر بناء تقوم به القوات الجوية الأمريكية على الإطلاق بتكلفة 110 ملايين دولار أمريكي، وبحسب موقع The Intercept تمتلك أيضا القاعدة الجوية 101 التي يديرها البنتاجون في جنوب غرب النيجر، كما تدير وكالة المخابرات المركزية قاعدة أخرى إلى الشمال الشرقي في بلدة ديركو الصغيرة، التي كان وجودها سرًا حتى تم الكشف عنها في عام 2018.
وجاء ذلك الطلب بعدما هدد وفد أمريكي بالانتقام من النيجر بسبب علاقاتها مع روسيا وإيران، وقيامها بإبرام اتفاق سري لتزويد الأخيرة باليورانيوم، وهي الاتهامات التي وصفها العقيد أمادو عبدالرحمن، المتحدث باسم الحكومة النيجرية، بأنها كاذبة وتذكرنا بادعاء امتلاك أسلحة الدمار الشامل الذي تم الترويج له قبل حرب العراق، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة فرضت قواتها العسكرية على النيجر من جانب واحد، مؤكدًا بأنها "غير عادلة إلى حد كبير" وضد تطلعات ومصالح الشعب النيجيري، وأعلن بحسب صحيفة People Dispatch أن هذه الاتفاقية ملغاة "بأثر فوري".
لم ترد الولايات المتحدة الأمريكية على تلك الخطوة من الحكومة الانتقالية في النيجر، بعدم شرعية وجودها العسكري في البلاد، إلا أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال في منشور على منصة "إكس" إنهم على اتصال مع حكومة النيجر لمعرفة المزيد من التفاصيل، وتم على أثر ذلك إلغاء مؤتمر صحفي كان من المقرر عقده في السفارة الأمريكية في نيامي عاصمة النيجر، الذي تجمع خارجه المتظاهرون للتنديد بالتدخل الأمريكي.
العراق يتوعد الاحتلال
في العراق اتخذت العلاقات بين الطرفين منعطفًا خطيرًا، بعد مقتل 3 جنود أمريكيين على الحدود الأردنية السورية، الأمر الذي ردّ عليه بايدن بشن غارات جوية مكثفة أسفرت عن مقتل قائد عسكري رفيع المستوى، وذلك دفع الحكومة العراقية لتشديد دعواتها لخروج القوات الأمريكية في الوقت المناسب، وبدأ البنتاجون محادثات مع نظرائه العراقيين بهدف انتقال وضع الوجود العسكري الأمريكي ليقتصر فقط على محاربة فلول تنظيم داعش الإرهابي.
ومع استمرار الوضع الأمريكي كما هو دون حدوث تغييرات تذكر في العراق، كانت الحرب على غزة بمثابة حافز جديد للعمليات المناهضة للاحتلال الأمريكي للعراق، وبحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية، فقد هدد رئيس فيلق الوعد الصادق العراقي بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق للخروج الآمن من العراق، فسيتم طردهم في نعوش، وتدمير القواعد الأمريكية، مشيرًا إلى أن كل ما يطلبونه هو انسحاب القوات الأمريكية بالكامل من بلادهم.