بعد عقود من الصداقة "الوثيقة والشخصية" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تنفك دوائر السياسة العالمية تتحدث عن انفراط عقد الصداقة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن و"بيبي" كما يُطلق عليه في أوساط السياسة الإسرائيلية، في أول خلاف علني منذ 14 عامًا.
كانت آخر مرة خاض فيها بايدن ونتنياهو خلافًا عميقًا في مارس 2010، عندما سافر بايدن إلى القدس المحتلة لدفع خطط السلام الطموحة للرئيس -آنذاك- باراك أوباما، والخاصة بتجميد المستوطنات في الأراضي المحتلة.
وقتها، عند وصوله، وصفه نائب الرئيس -آنذاك- بأنه "صديق شخصي مقرب لأكثر من 33 عامًا". لكن الصديق القديم رد المجاملة بإعلان بناء 1600 شقة إسرائيلية جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وقد أدى ذلك إلى غضب بايدن، الذي انتقم بإبقاء صديقه الشخصي والمقرب "بيبي" منتظرًا لمدة ساعة ونصف الساعة على العشاء في تلك الليلة، كما انتقد نتنياهو علنًا بسبب هذه الخطوة.
الآن، بعد أشهر من تحدي نتنياهو علانية لدعوات بايدن لضبط النفس في غزة، أطلق الرئيس الأمريكي حملة ضغط غير مسبوقة، حيث فرض عقوبات على المستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية، كما تمت دعوة بيني جانتس -المنافس الرئيسي لنتنياهو- إلى البيت الأبيض للقاء نائبة الرئيس كاميلا هاريس، أيضًا أصدر بايدن مذكرة لمجلس الأمن القومي الأمريكي تقترح أن المساعدات العسكرية لإسرائيل يجب أن تكون مشروطة بإيصال المساعدات الإنسانية.
كما يواجه الرئيس الأمريكي تمردًا خطيرًا من حزبه الديمقراطي، الذي يقوده إلى حد كبير السناتور كريس فان هولين -من ولاية ماريلاند- الذي رعى في فبراير الماضي تعديلاً يربط أي مساعدات مستقبلية لإسرائيل بفتح الممرات الإنسانية. وهو التعديل الذي أدى إلى مذكرة بايدن لمجلس الأمن القومي، كما أشار لقناة MSNBC إلى أن نتنياهو "يؤذي إسرائيل أكثر من مساعدتها".
أحمق وكاذب
وفق العدد الجديد لمجلة "بوليتيكو"، يقال إن الرئيس "غاضب في السر مما أصبح عليه نتنياهو الأحمق".
وفي "قراءات الجمعة"، أشار مايكل هيرش، كبير المحررين الدبلوماسيين السابق لمجلتي "نيوزويك" و"بوليتيكو"، إلى أن "بايدن وإدارته يعتقدان أن نتنياهو تلاعب بالولايات المتحدة لفترة طويلة جدًا".
ونقل "هيرش" عن مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية ومستشار السياسة الخارجية السابق، قوله إنه "في مرحلة ما، مع شخص مثل نتنياهو، عليك أن تدرك أن العلاقات لا تعني أي شيء بالنسبة له".
ولفت "هيرش" إلى أنه على مر العقود، أعلن الرؤساء الأمريكيون واحدًا تلو الآخر سأمهم من "بيبي"، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة، الذي تعتبر غطرسته أسطورية.
يقول كبير المحررين الدبلوماسيين: "كان أوباما يكره تهوره، واتفق مع الرئيس الفرنسي -آنذاك- نيكولا ساركوزي خلال لحظة ساخنة في عام 2011 على أنه لا يمكن الوثوق بنتنياهو".
وقال ساركوزي: " لا أستطيع تحمله. إنه كاذب". بينما أجاب أوباما: "لقد سئمت منه؛ ماذا عني؟ ولا بد لي من التعامل معه كل يوم".
وفي مذكراته التي صدرت عام 2004 تحت عنوان "السلام المفقود"، كتب المفاوض الأمريكي السابق دينيس روس حول زيارة نتنياهو الأولى إلى البيت الأبيض كرئيس للوزراء.. "كان نتنياهو لا يطاق تقريبًا، وكان يعظنا ويخبرنا كيف نتعامل مع العرب".
وأضاف: "بعد رحيل نتنياهو، قال كلينتون: "إنه يعتقد أنه القوة العظمى، ونحن هنا للقيام بكل ما يطلبه".
أمّا الاستثناء الوحيد للرؤساء الأمريكيين فقد كان دونالد ترامب "الذي سلّم نتنياهو بكل بساطة كل ما يريده تقريبًا"، وفق "هيرش".
الأرض المحروقة
رغم الصداقة المتينة، كانت صور جثث الأطفال الفلسطينيين المصفوفة على الأرض، والبحث اليائس عن الطعام، تسيطر على أعين الناخبين في العديد من الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لانتخابات 2024، الذين سجلوا أصواتًا احتجاجية ضخمة ضد بايدن.
ووفقاً لتقييم صدر عن "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، وهي شراكة عالمية تدرس نقص الغذاء، يعاني 1.1 مليون شخص، أي نصف سكان غزة، من انعدام الأمن الغذائي.
هكذا، أصبح بايدن وكبار مسؤوليه يشعرون بالإحباط المتزايد لأن نتنياهو وحكومته الحربية ليس لديهم -على ما يبدو- رؤية مستقبلية لغزة، سوى ذبح المزيد من الفلسطينيين.
وبينما طار "بلينكن" مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المنطقة لجمع الدعم العربي لحل الدولتين، أو على الأقل، إحياء السلطة الفلسطينية، رفض نتنياهو النظر في أي منها.
وعلى الرغم من تصريح بايدن السابق بأن التوغل البري الكبير في رفح الفلسطينية، هو "خط أحمر" بالنسبة له، قال نتنياهو للكنيست بتحدٍ في اليوم التالي للمكالمة التي كانت الأولى بينهما منذ شهر، إنه لا يزال يخطط للقيام بذلك.
فقط وافق "بيبي" على إرسال فريق من المسؤولين الإسرائيليين إلى واشنطن ليعرض ما يأمل الأمريكيون أن يكون تحركًا دقيقًا في رفح "يستهدف عناصر حماس الرئيسية في رفح دون غزو بري كبير"، كما قال متحدث الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في وقت سابق من هذا الأسبوع.
ومن المفترض أن تكون مثل هذه العملية المصغرة ممكنة، وفقًا لإدارة بايدن "بسبب الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية التي جمعها الإسرائيليون حول مواقع حماس منذ أن توغلت قواتهم في مدينة غزة وخان يونس".
لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن الإسرائيليين لم يقدموا بعد أي خطة عسكرية مهما كانت لواشنطن، ولا تزال الإدارة تشعر بالقلق من أن حكومة نتنياهو ستواصل نهج "الأرض المحروقة"، ما يخلق أزمة جديدة بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، وبقية العالم.
وبينما حذرت القاهرة إسرائيل من الأعمال العدائية أو المساس بالمدنيين بالفلسطينيين، يشعر الأمريكيون بالقلق من أنه بسبب الكثافة السكانية في رفح -التي يبلغ عددها نحو 1.3 مليون نسمة- هناك احتمالية أكبر لوفيات المدنيين في حالة وقوع هجوم كبير.
وكان "سوليفان" صريحًا هذا الأسبوع عندما قال إن "إسرائيل لم تقدم لنا أو للعالم خطة حول كيفية أو مكان نقل هؤلاء المدنيين بأمان، ناهيك عن إطعامهم وإيوائهم وضمان الوصول إلى الأشياء الأساسية مثل الصرف الصحي".