بعد وضوح التناقضات الصارخة بين المعاملة الدولية للأزمتين الأوكرانية والفلسطينية، أثار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، مسألة المعايير المزدوجة المفضوحة تجاه معاناة المدنيين.
فبينما تُغرِق أوروبا أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والاقتصادية لصدّ الهجوم الروسي، تكتفي بمجرد دعوة إسرائيل للامتناع عن عملية برية محتملة في رفح الفلسطينية، متجاهلة الحصار المطبق على قطاع غزة، والأوضاع المأساوية التي وصلت حد "المجاعة الوشيكة"، وفقًا للأمم المتحدة نفسها.
هذا التناقض الفاضح في المواقف يطرح تساؤلات حول مصداقية ادعاءات الدفاع عن القيم الإنسانية في ظل هذه الازدواجية الواضحة، وحث "جوتيريش" زعماء الاتحاد الأوروبي على إبداء نفس الاهتمام بالمدنيين في غزة كما هو الحال في أوكرانيا،
وقال "جوتيريش"، للصحفيين قبل قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن "المبدأ الأساسي للقانون الإنساني الدولي هو حماية المدنيين، يجب أن نتمسك بالمبادئ في أوكرانيا كما في غزة دون معايير مزدوجة".
وتطرق رئيس الوزراء الأيرلندي المنتهية ولايته، ليو فارادكار، إلى نفس المعايير المزدوجة في تصريحاته للصحفيين.
وقال فارادكار إن "الاستجابة للأزمة المروعة في فلسطين لم تكن أفضل شيء في أوروبا.. بصراحة تامة، أعتقد أن هذا يقوض بشكل خاص جهودنا للدفاع عن أوكرانيا لأن العديد من الدول في الجنوب العالمي تفسر تصرفات أوروبا في ما يتعلق بأوكرانيا مقابل فلسطين على أنها معايير مزدوجة، أعتقد أن لديهم وجهة نظر".
واستجاب الاتحاد الأوروبي للصراع الأوكراني بفرض 13 حزمة من العقوبات الاقتصادية على موسكو، وتقديم أكثر من 86.8 مليار دولار في هيئة مساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية لأوكرانيا، دون احتساب المساعدات الثنائية التي ترسلها الدول الأعضاء بشكل فردي.
وفي المقابل، سوف تنفق المفوضية الأوروبية 150 مليون يورو فقط على المساعدات لغزة هذا العام.
ورغم أن زعماء الاتحاد الأوروبي اتهموا روسيا -مرارًا وتكرارًا- باستهداف المدنيين في أوكرانيا، فإن عدد الشهداء المدنيين في غزة تجاوز منذ فترة طويلة عدد الضحايا في أوكرانيا، إذ تفيد البيانات الرسمية من السلطات الصحية في القطاع المنكوب باستشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، خلال خمسة أشهر من العدوان على غزة، أي ثلاثة أضعاف عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم خلال عامين من الصراع في أوكرانيا.
ومع استمرار إسرائيل في فرض حصار شبه كامل على غزة، حذرت هيئة مراقبة الأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها هذا الأسبوع، من أن المجاعة "وشيكة" في القطاع.
ويشير التقرير إلى أن 70% من سكان غزة -البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة- يواجهون حاليًا "جوعًا كارثيًا"، وأن اثنين من كل 10 آلاف شخص هناك سيموتون يوميًا بسبب الجوع وسوء التغذية والمرض إذا لم يتم تقديم المساعدة لهم على الفور.
وتبنى زعماء الاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا في قمة هذا الأسبوع، يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار" في غزة.
ودعا البيان "الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن القيام بعملية برية في رفح"، موضحًا أن "مثل هذه العملية سيكون لها عواقب إنسانية مدمرة ويجب تجنبها".