وسط الدمار والخراب الذي خلفته الحروب والصراعات في قطاع غزة، تكمُن قصص مأساوية تظهر بشاعة الحرب وآثارها المدمرة على المدنيين الأبرياء، وفي هذا الصدد يُسلط تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الضوء على معاناة الفلسطينيين الذين عانوا من إصابات مروعة وفقدان الأطراف، تاركةً آثارًا جسدية ونفسية مستديمة على حياتهم.
بتر الآمال
يروي التقرير قصصًا مؤلمة لأطفال وشباب فقدوا أطرافهم في غمرة الحرب، مثل إبراهيم الراعي البالغ من العمر 16 عامًا، عندما ضرب صاروخ فناء المدرسة التي كان يحتمي فيها مع جيرانه وعائلته، مزق الانفجار ساقه اليمنى أسفل الركبة. بعد إنقاذ حياته في ذلك اليوم المشؤوم، بدأت رحلة معاناته الحقيقية في البحث عن الرعاية الطبية المناسبة.
وتُشير الصحيفة إلى أن "الراعي" تنقل بين عدة مستشفيات، مواجهًا الألم والمعاناة في ظل نقص المستلزمات الطبية والأطقم المتخصصة. في أحد المستشفيات، لم يحصل سوى على ربطة ضاغطة حول ساقه المصابة ومسكن قوي، دون تلقي العلاج المناسب. في مستشفى آخر، عانى لأيام من آلام شديدة بعد عملية جراحية، وصفها بأنها كانت "تشبه الكهرباء".
مأساة مستمرة تطارد الضحايا
لم تنته معاناة المصابين مبتوري الأطراف عند إنقاذ حياتهم فحسب، فهم يواجهون تحديات جمة في محاولة استعادة حياتهم الطبيعية، إذ كثير منهم سيجدون صعوبات كبيرة في العثور على وظائف لإعالة عائلاتهم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة.
أما بالنسبة للأطفال الذين فقدوا أطرافهم، فإنهم يواجهون مخاطر أكبر في تخليهم عن فكرة الحصول على الأطراف الصناعية.
وتوضح وول ستريت أن تلك الأطراف قد تكون باهظة الثمن بالنسبة لعائلاتهم، كما أنها قد تسبب آلامًا شديدة إذا لم تركب بشكل صحيح على أجسادهم الصغيرة.
علاوة على ذلك، إذا تسبب فقدان الأطراف في منع هؤلاء الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، فإن النتيجة قد تكون كارثية وتؤثر على مستقبلهم بأكمله.
تقديرات صادمة
في تقديرات صادمة، كشفت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عن حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب على قطاع غزة، إذ في حصيلة أولية بحلول نهاية ديسمبر 2023، فقد نحو 12 ألف شخص، من بينهم 5 آلاف طفل، طرفًا أو أكثر بسبب القصف العنيف.
وأوضحت المنظمة، أنها لم تتمكن من تحديث الإحصاءات هذا العام؛ بسبب قطع الاتصالات في غزة في معظم الأوقات، إضافة إلى توقف غالبية المستشفيات عن العمل بشكل كامل.
في ظل الأوضاع الكارثية السائدة في قطاع غزة، تتفاقم شدة الإصابات التي يعاني منها المدنيون بشكل مروع. ففي غياب المضادات الحيوية اللازمة، قد تتحول العدوى البسيطة إلى قاتلة تهدد حياة المصاب.
كما أن غياب أطقم الجراحة المتخصصة يعني أن الأطراف المصابة لا تتم إعادة بنائها بشكل صحيح، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على المدى الطويل.
في المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في غزة، يكافح الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية الآخرون في الخطوط الأمامية بشكل يومي لمواجهة الكارثة الإنسانية.
ويشير الجراحون إلى إن المرضى الذين يعانون من إصابات شديدة يخضعون في كثير من الأحيان لعمليات بتر أوسع مما هو ضروري، وذلك في محاولة يائسة لإنقاذ حياتهم.
روايات مروعة من غرف العمليات
في قلب المعركة ضد آثار الحرب المدمرة على أجساد الأبرياء في غزة، يقف الجراح محمد عبيد شاهدًا على معاناة لا تصدق، إذ في حديثه مع وول ستريت جورنال، روى عبيد قصصًا مروعة عن الحالات التي عالجها خلال الحرب الأخيرة على القطاع.
أجرى عبيد، الجراح المتخصص في إعادة بناء الأطراف بمستشفى العودة شمال غزة، 35 عملية بتر خلال فترة الحرب، وأوضح أن غالبية حالات البتر كانت الأطراف مفجرة فعليًا بفعل القصف، إلا أن ست حالات لم يتمكن من إنقاذها بسبب الافتقار الحاد إلى المستلزمات الطبية والمضادات الحيوية والأطقم المتخصصة.
طفلتان تواجهان القدر المرير
من بين أصعب الحالات التي واجهها عبيد، كانت حالة طفلتين شقيقتين تبلغان من العمر 6 و9 أعوام، وصلتا إلى جناحه بعد معاناتهما من كسور مروعة تسببت في كشف عظام الساق، إثر انفجار دمر منزل عائلتهما.
على الرغم من محاولات الجراح المستميتة لعلاج الطفلتين، إلا أن الأوضاع الكارثية في غزة حالت دون ذلك، فقد اضطرت الطفلتان للانتظار أسبوعًا كاملًا قبل نقلهما إلى المستشفى؛ بسبب إطلاق النار المستمر عليه. وعندما وصلتا أخيرًا، كانت جروحهما قد تعرضت للعدوى.
على مدار أسبوع، حاول عبيد تطهير الجروح والتعامل مع العدوى، لكنه واجه مأزقًا لا يحسد عليه إذ لاحظ ارتفاع درجات حرارة الطفلتين، مما هدد بحدوث صدمة إنتانية قاتلة.
وفي ظل غياب المضادات الحيوية والإمكانيات اللازمة، لم يجد الجراح مفرًا سوى بتر ساقي الطفلتين لإنقاذ حياتيهما.
في لحظة مؤلمة، اضطر عبيد لإبلاغ الأب بالخيار الوحيد المتبقي: "أبلغنا الأب أننا إن لم نبتر السيقان، فسوف تتسبب في وفاة ابنتيك. ومن أجل ذلك، وافق الأب على عملية البتر".
تجدر الاشارة إلى أنه منذ عميلة طوفان الأقصى في يوم 7 أكتوبر 2023 يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الدموي على قطاع غزة، مخلفًا عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلًا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".