مسارات مختلفة اتخذتها الفنانة المصرية الراحلة زبيدة ثروت في مسيرتها الفنية، صعودًا وهبوطًا.. انسحابًا اختياريًا أحيانًا وإجبارياً فترات أخرى، لذا وعلى مدار نحو 30 عامًا، عمر مشوارها الفني، شاركت في أقل من 40 عملًا فنيًا، ويعد ذلك بحسابات الزمن الذي ظهرت فيه وطبيعة صناعة السينما وقتها ذات الإنتاج الوفير رقمًا ضعيفًا، خصوصًا أن النجمة التي يمر اليوم 6 سنوات على رحيلها تعد من أبرز جميلات السينما المصرية والعربية.
نالت ملكة جمال الشرق الأوسط، التي دخلت الوسط الفني من مسابقة بإحدى المجلات، حظًا وفيرًا في بدايتها الفنية، لتشارك بدور صغير في فيلم "دليلة" عام 1956 بطولة عبد الحليم حافظ، ولا تمر سوى 5 سنوات لتقف أمامه بطلة وتعيد تجسيد الدور نفسه الذي سبق أن قدمته النجمة العالمية أودري هيبورن بفيلم Roman Holiday في نسخته المُعربة بعنوان "يوم من عمري" رفقة عبد السلام النابلسي وسهير البابلي، محققة نجاحًا كبيرًا في السينما؛ لتنهال الإشادات بالنجمة المصرية ذات الملامح الجميلة.
فاق نجاح فيلم "يوم من عمري" ما حققته زبيدة ثروت في أفلامها السابقة، على الرغم من جودة بعضها الفنية، ومنها "شمس لا تغيب" و"عاشت للحب" مع كمال الشناوي، و"بنت 17" مع أحمد رمزي، لكن أداءها مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ تحت إدارة المخرج عاطف سالم كان مميزًا، لتظهر أقاويل كثيرة هذه الفترة حول علاقتها بالعندليب الأسمر، قالت عنها في لقاء تلفزيوني إنهما كان في علاقة حب دون أن يصرّح أحدهما للآخر بمشاعره.
توقع المراقبون وصنّاع السينما صعودًا صاروخيًا للنجمة زبيدة ثروت، خصوصًا أنه في العام نفسه صدر فيلمها "في بيتنا رجل" عن رواية الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، وكتب السيناريو والحوار لها يوسف عيسي وهنري بركات الذي أخرج الفيلم أيضًا، لتجسد النجمة الراحلة دور "نوال" الفتاة التي تقع في حب شاب مناضل – جسّد دوره الفنان المصري العالمي عمر الشريف.
زبيدة ثروت وعمر الشريف واختلاف المصير
شتان ما بين مستقبل عمر الشريف بعد "في بيتنا رجل"، ومصير زبيدة ثروت عقب الفيلم نفسه، إذ انطلق الأول نحو العالمية مع المخرج ديفيد لين في الفيلم ذائع الصيت lawrence of arabia أو "لورانس العرب"، ليصبح أحد نجوم هوليود والسينما العالمية، فيما اكتفت "قطة السينما المصرية" بأن تختفي فنيًا بعد عام 1961، إذ قالت عن هذه الفترة في حوار تلفزيوني إنها ابتعدت عن الفن وتزوجت وظلت لمدة 8 سنوات لا تشارك في أي عمل فني، لكن نظرًا لظروف عائلية واضطرارها للعمل بعد الحكم على زوجها بالسجن، شاركت في أعمال فنية مع حسن يوسف وحلمي رفلة، وعندما علم زوجها بالأمر ورجوعها للفن وقع الطلاق بينهما.
لكن عودة زبيدة ثروت للسينما جاءت من خلال أفلام دون المستوى مقارنة بسابقة أعمالها، إذ شاركت عام 1969 في بطولة فيلمي "كيف تتخلص من زوجتك" و"زوجة غيورة جدًا"، ثم "أنا وزوجتي والسكرتيرة" مع أحمد رمزي، ويبدو أن النجمة المصرية استعادت ذكريات تألقها مع المخرج عاطف سالم في فيلم "يوم من عمري" لتعود للعمل معه في فيلمه "زمان يا حب" بطولة فريد الأطرش، وبالفعل حققت التجربة نجاحًا مُرضيًا.
العائلة في المرتبة الأولى
لم تكد تمر 7 سنوات حتى عادت زبيدة ثروت إلى اختفائها مرة أخرى، ففي شبه اعتزال فني توقفت عن العمل عام 1976، لتفضل رعاية أحفادها، إذ كانت المسؤولية الاجتماعية لديها أقوى من قبول عمل فني لا يرضي غرورها الفني، كما أنها رفضت المسلسلات التليفزيونية التي تُعرض عليها؛ لأنها لم تكن تهوى دراما المسلسلات، وكان قلبها يتعلق فقط بالسينما.
ورغم أن الفنانة عاشقة السينما لم تقبل بغيرها بديلًا، وافقت على العودة في الثمانينيات من القرن الماضي بمسرحية "عائلة سعيدة حقًا" تأليف وإخراج السيد بدير، إذ لم تستطع أن ترفض طلبه، ليسجل في تاريخها الفني تجربتين فقط على خشبة المسرح، وذلك رغم أنها كانت تمتلك إمكانيات لتصبح فنانة استعراضية، كما قال عنها من قبل مخرجها المفضل عاطف سالم.