"سيُكتَب في التاريخ دراما ما قبل ليالي الحلمية وما بعد ليالي الحلمية"، جملة فوجئ بها الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، يسمعها من الممثل المصري يحيى الفخراني عبر الهاتف، بعد أن انتهى الأخير من قراءة سيناريو 5 حلقات فقط من الموسم الأول لمسلسل الثمانينيات الأشهر في تاريخ الدراما العربية.
كان الممثل الذي جسد دور "سليم البدري" يشعر بحسه الفني بأن ما بعد "ليالي الحلمية" سيكون مختلفًا، وهذا ما توقعه لمستقبل الدراما المصرية، لكنه لم يكن يعرف أن كلماته تلك ستنطبق عليه أيضًا ويصبح أحد أبرز نجوم الدراما التليفزيونية العربية والمؤثرين فيها بشدة، وتصبح إطلالته على الجمهور -خصوصًا في شهر رمضان- مصدرًا خاصًا للسعادة والبهجة، فالدراما ما قبل يحيى الفخراني تختلف عمّا أصبحت بعده.
في كل عام ومع انطلاق السباق الدرامي الرمضاني، يبحث الجمهور عن مسلسل يحيى الفخراني، وإذا غاب يشعر المشاهد بأن هناك شيئًا ناقصًا في الموسم الأشهر عربيًا، لكن مع حضوره ترجع الأمور إلى نصابها، لنجد حالة الترحيب الشديدة ظاهرة في استقبال مسلسله الجديد "عتبات البهجة" المنافس حاليًا في موسم رمضان 2024.
عودة يحيى الفخراني إلى الدراما الرمضانية من خلال "عتبات البهجة" تحمل معها نوستالجيا مواسم رمضانية سابقة، طالما تألق فيها النجم المصري البارز، خصوصًا أنه يتعاون فيها مع المخرج مجدي أبو عميرة، الذي يشهد مشوارهما الفني المشترك مسلسلين ناجحين هما "يتربى في عزو" و"حمادة المصري"، لكنها فضلًا عن ذلك تحمل أيضًا حداثة في التناول، إذ لأول مرة منذ سنوات عديدة ينافس الفخراني بتجربة الـ15 حلقة فقط.
كما أن العمل يناقش قضايا اجتماعية ومشكلات يعاني منها الجيل الحالي، خصوصًا في ظل التطور التكنولوجي وظهور وسائط عدة للتواصل الاجتماعي، إذ يجسد "الفخراني" دور وكيل وزارة الصناعة المتقاعد الذي يجد نفسه فجأة مسؤولًا عن أحفاده، ويتورط في عدة مواقف كوميدية مع أحفاده، ويصبح صانع محتوى على الإنترنت يوجه نصائح للشباب.
يؤمن نجم "عتبات البهجة" بأن عمر الإنسان يقاس بمدى تأثيره في وجدان الناس، وليس بعدد سنوات بقاء جسده على قيد الحياة، حسبما قال لحظة تسلمه جائزة تكريم فاتن حمامة بمهرجان القاهرة السينمائي عام 2016، وبدا يحاول التماسك إذ تصادف حصوله على التكريم بعد أيام قليلة من وفاة صديقه الممثل محمود عبدالعزيز، الذي جمعتهما العديد من الأفلام البارزة، مثل "الكيف" و"إعدام ميت".
هذا الإيمان الداخلي بأن الإنسان بشكل عام والفنان على وجه التحديد يجب أن يترك أثرًا في وجدان الناس ويكون مفيدًا في حياته، جعل يحيى الفخراني يدقق تمامًا في أدواره الفنية، التي يحرص على اختيارها بعناية شديدة، دون أن يشاركه الرأي أحدٌ، ويترك نفسه للإحساس بالشخصية التي يجسدها، رافضًا أن يكرر خطأً وقع فيه بالماضي عندما وافق على فيلم سينمائي بناءً على نصيحة من شخص مقرب، حسبما كشف في تصريحات إعلامية عن مشواره المهني.
تتلخص قناعة النجم باختياراته الفنية، بعد رفضه الاستماع إلى نصائح مقربين بألا يغامر بتجربة مسرحية "الملك لير" بدعوى أن الجمهور لن يحبها ولن يذهب لمشاهدتها على خشبة المسرح، لكن إصرار الممثل المصري وإحساسه الداخلي جعله متيقنًا من نجاح العمل، وبالفعل استمر نحو 8 سنوات على خشبة المسرح بداية من عام 2001، قبل أن يعيدها مرة أخرى بعمل مسرحي جديد، وأيضًا يحولها إلى مسلسل تليفزيوني بعنوان "دهشة".
انتصر إحساس يحيى الفخراني مع "الملك لير"، فهو يعرف تمامًا ما يريده، ولديه ذكاء فني، يؤازره استفادته في بدايته الفنية من الثراء الأدبي والفني للروايات العالمية التي جسد بطولاتها على المسرح، ما أكسبه خبرة في الأداء وفن التمثيل مبكرًا، ساعده بعد ذلك في تجسيد شخوصه الدرامية، مع اتباعه نظامًا صارمًا تجاه مهنته لا يحيد عنه، يتمثل في حضوره موعد التصوير مبكرًا، وبدء العرض في الوقت المحدد، والتزام تام في الكواليس.
"كل من يتكلم العربية يحب فاتن حمامة"، هكذا وصف يحيى الفخراني الفنانة الراحلة والشهيرة بسيدة الشاشة العربية، والتي تعاون معها في آخر أفلامها "أرض الأحلام" عام 1993، لكن الوصف ذاته ينطبق على نجم مسلسلات "نجيب زاهي زركش"، و"ونوس"، و"الخواجة عبد القادر"، و"زيزينيا" وغيرها، التي كان يؤدي شخوصها فيها بدافع تحقيق متعة خاصة وهي فن التمثيل، ليحجز مساحة محبة خاصة لدى الجمهور.
وصف حب يحيى الفخراني لمهنته وتعلقه بها، يتضح في حديثه عنها بجمل توضح الكثير عما يشعر به تجاها ومنها "الفن غريزة من يقدر على إيقاف الغريزة"، وأيضًا "لم يعد يمتعني شيء سوى التمثيل"، حسبما قال في حوار تليفزيوني قديم، وتلخص الجملة الأخيرة سر حرصه الدائم على الظهور الفني، فهو هنا لا يبحث عن أي شيء سوى أن يشبع هوايته التي تسعده، ولا يفكر كثيرًا في المقابل المادي، لدرجة أنه رفض منذ فترة طويلة عرض إعلان تجاري بمقابل مادي مليون دولار، لشعوره بأنها ليست منطقته، فهو يريد التمثيل فقط، ليتشابه في ذلك مع النجم عادل إمام الذي لم يشارك في إعلانات تجارية، أو أي نشاط فني آخر بخلاف التمثيل، لأن هدفه الأساسي تجسيد الشخصيات.